آیة الله مصباح الیزدی مخاطباً وزیر التربیة والتعلیم: التحوّل الجذریّ فی نظام التربیة والتعلیم فی البلاد یقتضی تغییراً فی الأفكار الأساسیّة التی یقوم علیها هذا النظام

حسب تقریر الموقع الإعلامیّ لآثار سماحة آیة الله مصباح الیزدی فقد التقى سماحة مصباح الیزدی ظهر یوم الخمیس الموافق للحادی من كانون الأوّل 2011م السیّد حمید رضا حاجی بابائی وزیر التربیة والتعلیم والوفد المرافق له. ولدى بیان سماحته أنّ من أكبر النعم التی أسبغ الله بها على شعبنا واُمّتنا فی عصرنا الحاضر هی نعمة الثورة الاسلامیّة وتولّی مسؤولین مسلمین خدومین لمقالید السلطة ممّن وضعوا خدمة أهداف الثورة ومقدّساتها نصب أعینهم قال: أنا لست من مؤیّدی التملّق والكلام المعسول، لكنّنی أرى من واجبی أن اُقدّم آیات الشكر والتقدیر لمسؤولی البلاد المبدأیّین والثوریّین على إخلاصهم وحسن نیّاتهم وعملهم الدؤوب.
وقال سماحة مصباح الیزدی مؤكّداً على أهمّیة دور التربیة والتعلیم فی الأنظمة الاجتماعیّة: وفقاً للتعالیم الاسلامیّة وما یتعلّق بها من العلوم فإنّ أهمّ مؤسّسة اجتماعیّة وأكثرها جوهریّة هی مؤسّسة التربیة والتعلیم، إذ أنّ باستطاعتها أن تصوغ أهداف مجتمع مّا وتوجّهه إلى الوجهة المطلوبة، كما أنّ سقوط وانحطاط أیّ نظام من الأنظمة إنّما یبدأ من مؤسّسة التربیة والتعلیم.
وتابع عضو مجلس خبراء القیادة القول: إنّ لمؤسّسة التربیة والتعلیم تأثیراً غیر مباشر على سائر المراكز والمؤسّسات، ومن هذا المنطلق فإنّ المهمّة الاولى التی یبیّنها الله عزّ وجلّ لأنبیائه وأولیائه (علیهم السلام) هی مهمّة تربیة الناس وتعلیمهم.
وأضاف رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث مشیراً إلى ما نُفّذ فی البلاد لحدّ الآن من أبحاث ودراسات تناولت قضایا التربیة والتعلیم قائلاً: تشیر الأبحاث والدراسات إلى أنّ نظام التربیة والتعلیم فی بلادنا قد عانى على مدى قرن من الزمان من مشاكل ونقائص جمّة؛ حیث یمكن تصنیف هذه المشاكل والنقائص مبدئیّاً إلى مشاكل مشتركة بین هذه المؤسّسة وباقی المؤسّسات ونقائص تنفرد بها مؤسّسة التربیة والتعلیم. فمسألة المیزانیّة والضعف الإداریّ – على سبیل المثال - هی من المشاكل التی تشترك فیها جمیع مؤسّسات البلاد ومراكزها.
التسییس هو من أكثر آفات نظام التربیة والتعلیم جدّیة
وفی معرض إشارة اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة إلى قابلیّة البیئة التربویّة للتأثّر بتحوّلات النظام السیاسیّ للبلاد قال: لم تمض مرحلة تاریخیّة إلاّ وكانت التیّارات المسیطرة على الأجواء السیاسیّة للبلاد تلقی بظلالها على نظام التربیة والتعلیم، وحتّى المسؤولون المستقلّون سیاسیّاً كانوا یُجبَرون تحت طائلة الأجواء السیاسیّة الحاكمة على المجتمع على تنفیذ بعض الفعّالیات ذات التوجّهات السیاسیّة الخاصّة داخل المؤسّسات التربویّة. ومن هنا فإنّ الأجواء القاتمة التی فرضتها قضیّة التسییس على النظام التربویّ كانت دائماً أكبر المعضلات والمشاكل التی واجهت هذا النظام.
وتابع العلاّمة مصباح الیزدی حدیثه بالقول: إنّ شحّة الطاقات البشریّة تُعدّ هی الاخرى من مشاكل التربیة والتعلیم. فبسبب الاجور الشحیحة والامتیازات القلیلة لا یجد الكثیر من نخب البلاد وذوو الطاقات والاستعدادات الخلاّقة فی أنفسهم المیل إلى الخدمة ضمن نظام التربیة والتعلیم ممّا یدفع الكثیر من معلّمی وموظّفی هذا القطاع إلى البحث عن مهن إضافیّة الأمر الذی یؤثّر سلباً على المستوى التعلیمیّ.
وأضاف: مشكلة الكتب الدراسیّة هی من الامور الاخرى المطروحة على طاولة البحث فی وزارة التربیة والتعلیم، ولا یسعنا هنا إلاّ أن نعرب عن أسفنا لاحتواء كتب المراحل الدراسیّة المختلفة على إشكالات ونقائص من جهات متعدّدة.
الفقر فی محتوى المنهج التعلیمیّ للبلاد هو من آثار المستشارین الأمریكان بعد الحرب العالمیّة الثانیة
وذكر عضو مجلس خبراء القیادة أنّ الوجهة التی تتّخذها السیاسات العامّة لنظام التربیة والتعلیم للبلاد غیر واضحة المعالم وقال: الإشكال الآخر الذی لا یولَى كبیر اهتمام وقلّما یُلتفَت إلیه - للأسف الشدید - هو السیاسات العامّة للمحتوى التعلیمیّ. ولابدّ أن أقول هنا بأنّنی، وبعد مضیّ حوالی سبعین عاماً على اجتیازی مرحلة الأوّل الابتدائیّ الدراسیّة، لا زلت إلى الآن متأثّرا ببعض الامور والمواضیع التی كانت مثبّتة فی النصوص الدراسیّة لتلك المرحلة بل وأستعملها أحیاناً على المنبر وفی المحاضرات التی اُلقیها.
وأضاف اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة: أمّا بعد الحرب العالمیة الثانیة ومجیء الأمریكان إلى البلاد وبتوصیة من المستشارین الأمریكیّین فقد أخذ ثراء محتوى المناهج الدراسیّة یتضاءل شیئاً فشیئاً حیث كانت إحدى الخطوط العامّة لسیاساتهم تقضی بأن تشتمل النصوص الدراسیّة على الدعوة إلى النخب والشخصیّات العالمیّة البارزة بدلاً عن المفكّرین والنخب الوطنیّین كی تُفرَّغ ثقافتنا من محتواها ومعارفها الأصیلة وتُغذّى باُمور سطحیّة قابلة للانسجام مع جمیع الثقافات عوضاً عن التعالیم الدینیّة، بل قد وصل الأمر فی السنوات الأخیرة إلى أن تُدرج فی الكتب الدراسیّة بعض القضایا المتّصلة بالمسائل السیاسیّة بما یخدم مصالحهم.
وأشار رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث إلى ما لمحتوى المناهج الدراسیّة من تأثیر وأضاف: إنّ انشغال التلامیذ فی دراسة منهج ذی محتوى غنیّ وراقٍ سیجعل منهم بُناة البلاد فی المستقبل حتّى وإن كانت بیئتهم الدراسیّة مفتقرة لأبسط الإمكانیّات الترفیهیّة والتعلیمیّة، أمّا إذا كان المحتوى المنهجیّ ضحلا وسطحیّا فحتّى وإن تمتّعت بیئتهم الدراسیّة بأفضل الإمكانیّات الترفیهیّة والتعلیمیّة وأكثرها تطوّراً فستتمّ تغذیتهم باُمور مسمومة لیست أنّها غیر بنّاءة فحسب بل ستُنزل بالبلاد ضربات تكون آثارها غیر قابلة للتدارك.
وأكّد العلاّمة مصباح الیزدی على أنّ التجارب العملیّة والتعالیم المستحصلة من الكتاب والسنّة تشیر إلى أنّ التغییر الجذریّ على مستوى التربیة والتعلیم فی نظام قیمیّ اسلامیّ یستلزم اهتماماً خاصّاً بمحتوى المنهج التربویّ والتعلیمیّ.
وعبر بیان سماحته أنّه لابدّ من أجل تحوّل جذریّ فی النظام التربویّ التعلیمیّ من العمل على تحوّل فی الأفكار الأساسیّة لهذه المؤسّسة أضاف: إنّ من النعم العظیمة التی منّ الله بها على بلادنا هی وجود قائد الثورة المعظّم الذی یحمل رُؤىً عمیقة واُصولیّة فی كافّة المیادین، ولقد أعطى خلال سنوات طوال - عبر لقاءاته المستمرّة مع مختلف الوزراء والمسؤولین فی هذه المؤسّسة - ملاحظات وتوجیهات جمّة وقیّمة، كان من أهمّها طرحُه لقضیّة الالتفات إلى فلسفة التربیة والتعلیم وضرورة العمل على التخطیط ورسم البرامج التربویّة والتعلیمیّة على أساس الخطوط العریضة لفلسفة التربیة والتعلیم واستراتیجیّاتها.
وانتقد عضو مجلس خبراء القیادة حالة عدم الوضوح فی وجهة مسیرة التربیة والتعلیم وقال: هناك اختلافات عمیقة بین نظام التربیة والتعلیم وفقاً للاصول الاسلامیّة وبین نمطه الغربیّ؛ فأفضل متعلّم وفقاً للثقافة الغربیّة هو الشخص الأكثر انسجاماً مع مجتمعه. ولو قارنّا هذا الهدف مع هدف التربیة والتعلیم وفقاً للرؤیة الإسلامیّة فسنجد أن البون شاسع كالفرق بین السماء والأرض؛ لأنّنا نعلم جیّداً أنّه لیست جمیع البیئات صالحة كی یكون الانسجام معها مطلوباً.
ضرورة الثبات فی إدارة مؤسّسة التربیة والتعلیم فی البلاد
وقال اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة بقمّ المقدّسة مؤكّداً على السعی الحثیث من قبل الجمیع فی سبیل إصلاح نظام التربیة والتعلیم: یُعدّ نظام التربیة والتعلیم فی بعض الدول من الأنظمة الثابتة التی لا تخضع لتغییرات كبیرة مع تبدّل الساسة فتكون النتیجة أن یحصل مسؤولو ومدراء هذه المؤسّسة بمستویاتهم العالیة والمتوسّطة خلال السنوات الطویلة على خزین من التجارب القیّمة، أمّا فی بلدنا فعلى الرغم من التأكیدات المتعدّدة للحكومات المتعاقبة على عدم إحداث تغییرات واسعة فی المؤسّسات البنیویة للمجتمع فإنّنا نشاهد – مع شدید الأسف - أنّ تغییر مدیر عامّ واحد فی بعض المؤسّسات یطال حتّى الذین یقدّمون الشای أو یقومون بسائر الخدمات فی المؤسّسة.
وأضاف رئیس مؤسّسة الإمام الخمینیّ (ره) للتعلیم والأبحاث قائلاً: إنّ رسم وتنفیذ خطط قصیرة، ومتوسّطة، وطویلة المدى یُعدّ من ضروریّات النظام التربویّ للبلاد ممّا یحتّم على مسؤولی هذه المؤسّسة العمل الحثیث فی هذا المجال بكلّ ما اُوتوا من وسع وقوّة. وإن شاء الله ستستمرّ عملیّة صیاغة البرامج المفیدة والغنیّة حتّى فی فترة ولایة الوزراء اللاحقین إذا ما اتّصف مسؤولو المؤسّسة بالإنصاف والرؤیة الواقعیّة. وحتّى لو لم یقدّر المسؤولون هذه الأتعاب والتخطیطات حقّ قدرها فلا ریب أنّ أفراد الشعب سیقدّرون ذلك، لأنّهم قد أبدوا فی معظم المجالات بصیرة أعمق مقارنة بالمسؤولین الذین شغلتهم متاهات المناصب ومطبّات المسؤولیّات المختلفة.
وقال آیة الله مصباح الیزدی مؤكّداً على ضرورة التحوّل البنیویّ فی نظام التربیة والتعلیم فی البلاد: إنّ لتحوّل نظام التربیة والتعلیم للبلاد لوازمَ ولابدّ عبر الإفادة من آراء الخبراء والمتخصّصین فی هذا الفنّ من وضع برنامج جامع وخطّة متكاملة للنظام التربویّ والتعلیمیّ للبلاد.
وذكر سماحة مصباح الیزدی الشیخ مصلح الدین سعدی الشیرازیّ كواحد من مفاخر البلاد وشخصیّاتها البارزة فی المجالات المختلفة منها الأدبیّة، والدینیّة، والسیاسیّة، ...الخ وقال: كان القسم الأعظم من الكتب الدراسیّة یشتمل على قصائد من دیوانی «غلستان» و«بوستان» للشاعر سعدی الشیرازیّ فی حین أنّ بعض طلبة الجامعات فی فرع الآداب الیوم لا یستطیعون قراءة أشعار هذه الدواوین.
وقدّم عضو مجلس خبراء القیادة شرحاً عن مختلف أقسام نظام التربیة والتعلیم وقال: لابدّ لقسم رسم السیاسات فی مؤسّسة التربیة والتعلیم أن یتولّى رسم الخطوط العریضة والأساسیّة للنظام التربویّ التعلیمیّ، أمّا قسم صیاغة النصوص فیتعیّن أن یتولّى صیاغة النصوص التعلیمیّة والمباحث التربویّة بما یتناسب مع الفئات العمریّة والمستویات العلمیّة للتلامیذ ضمن اُطر مناسبة، وهذه مسائل فنّیة یتطلّب تناولها الاستعانة بعلماء النفس المتخصّصین فی مجال التربیة والتعلیم.
المعلّم النموذجیّ هو الذی یعشق درسه وتلمیذه
ولدى بیان اُستاذ الأخلاق فی الحوزة العلمیّة لأهمّیة دور المعلّم فی نظام التربیة والتعلیم أضاف سماحته: المعلّم الحریص هو العنصر المكمّل لعملیّتی وضع السیاسات الصحیحة وصیاغة النصوص الدراسیّة القیّمة بحیث إذا سارت الامور فی القسمین المذكورین على ما یرام لكن لم یكن المعلّم المتصدّی لتنفیذ هذا المنهج حریصاً ویشعر بالشفقة، أو لم یتمتّع بالوعی والعلم اللازمین، أو لم یكن معتقداً بالمباحث المطروحة فی المنهج، فلن تُتوَّج العملیّة بالتوفیق أیضاً.
وتطرّق العلاّمة مصباح الیزدی إلى بعض خصوصیّات المعلّم النموذجیّ وقال: المعلّم النموذجیّ هو الذی یحیط إحاطة كاملة بعلم النفس التربویّ، وسبل التعلیم النموذجیّة، والأحكام الدینیّة، وأن یتحلّى - فی مرتبة أكثر تقدّماً – بالدافع إلى عمله والعشق له. فالمعلّم الصالح هو الذی یكون عاشقاً لدرسه وتلامیذه والذی تربطه علاقة خاصّة بعمله، خلافاً للمعلّم الذی یأتی إلى الدرس متأخّراً ویتركه مبكّراً، ویمضی وقت درسه بسرد القصص وقراءة الصحف، ویسعى بعد ساعات المدرسة وراء مهنته الاُخرى وكأنّ أیّ علاقة ذهنیّة لا تربطه بالصفّ والدرس والتلامیذ.
وأضاف سماحة مصباح الیزدی قائلاً: هذا الموضوع یضاعف من أهمّیة تعلیم المعلّمین وإعدادهم الإعداد الصحیح، ومن أجل ذلك فلابدّ أن نولی اهتماماً أكبر لتعلیم وإعداد المعلّمین والمدرّسین الصالحین وأنّ نهیّئ السبل الكفیلة للوصول فی المستقبل القریب إلى الآفاق المطلوبة فی نظام التربیة والتعلیم.