صوت و فیلم

صوت:

نحو الدفاع الشامل عن الاسلام و الثقافة الاسلامیة

قم - دار القرآن الكريم

بِسْمِ اللَّهِ الْرَّحْمنِ الرَّحیم‏

نحو الدفاع الشامل عن الاسلام و الثقافة الاسلامیة

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمینَ الصَّلاةُ وَ السَّلامُ عَلى‏ سَیِّدِالْأَنْبِیاءِ وَ الْمُرسَلینَ حَبِیبِ إِلهِ الْعالَمین أَبِی‏الْقاسِم مُحَمَّدٍ وَ عَلى‏ آلِهِ الطَّیِبینَ الْطّاهِرِینَ الْمَعْصُومین‏.

«اَللهُّمَ كُنْ لِوَلِیِّكَ الْحُجَةِ بْنِ الْحَسَنِ صَلَواتُكَ عَلَیْهِ وَ عَلى‏ آبائِهِ، فی هذِهِ الْسَّاعَةِ وَ فی كُلِّ سَّاعَةٍ وَلیَّاً وَ حافِظاً وَ قآئِدَاً وَ ناصِراً وَ دَلِیلاً وَ عَیْناً حَتى تُسْكِنَهُ أَّرْضَكَ طَوْعاً وَ تُمَتِّعَهُ فِیها طَویلاً»

أهدی تحیاتی إلى إخوانی و أخواتی الأعزاء فی أقطار العالم و إلى روح سیدنا الإمام الخمینی و أرواح الشهداء رضوان اللّه علیهم و أسأل اللّه تعالى أن یوفقنا لمرضاته و أن یزیدنا علماً و معرفة و حباً لأولیائه و یوفقنا لأداء واجبنا فی هذا العصر الذی یزخر من جانب بالمعارف الإلهیة الموروثة عن أهل البیت ـ‌صلوات الله علیهم أجمعین‌ـ و من جانب آخر بالشبهات و الشكوك التى یلقیها شیاطین الجنّ و الإنس ـ‌أعاذنا اللّه و إیاكم منها جمیعاً‌.

نحن نعلم انّ من أفضل منن الله على عباده إصطفاء ثلّة من خیارهم و جعلهم رسلاً إلى سائر الناس، لیتلقُّوا وحی اللّه تعالى مباشرةً و یُبلّغوه الى الآخرین، فیهتدوا إلى معرفة الغایة من خلقهم و معرفة الصراط المستقیم للوصول إلى سعادتهم فی عاجل الدنیا و آجل الآخرة.

قال تعالى: «وَما كانَ اللَّهُ لِیُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَیْبِ وَلكِنَّ اللَّهَ یَجْتَبِی مِنْ رُسُلِهِ مَنْ یَشاءُ»1، و قال: «عالِمُ الْغَیْبِ فَلا یُظْهِرُ عَلى‏ غَیْبِهِ أَحَداً؛ إِلاَّ مَنِ ارْتَضى‏ مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ یَسْلُكُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً؛ لِیَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَیْهِمْ وَأَحْصى‏ كُلَّ شَیْ‏ءٍ عَدَداً»2، و قال سبحانه: «لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَیِّناتِ وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَالْمِیزانَ لِیَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِیدَ فِیهِ بَأْسٌ شَدِیدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ وَلِیَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ یَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَیْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِیٌّ عَزِیزٌ»3.

و كان مقتضى حكمته البالغة ختم سلسلة الأنبیاء و الرسل بالنبیّ الأمّی العربی الهاشمی، أبی‏القاسم محمد بن عبد الله ‏صلى الله علیه وآله؛ فقال تعالى: «ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخاتَمَ النَّبِیِّینَ»٤، و أنزل علیه أفضل الكتب و أكملها لیكون نوراً یستضاء به فی جمیع الأعصار و الأمصار. قال تعالى: «تَبارَكَ الَّذِی نَزَّلَ الْفُرْقانَ عَلى‏ عَبْدِهِ لِیَكُونَ لِلْعالَمِینَ نَذِیراً»٥، و قال سبحانه: «...قَدْ جاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتابٌ مُبِینٌ؛ یَهْدِی بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَیُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَیَهْدِیهِمْ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِیمٍ »٦، و قال: «وَإِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِیزٌ؛ لا یَأْتِیهِ الْباطِلُ مِنْ بَیْنِ یَدَیْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِیلٌ مِنْ حَكِیمٍ حَمِیدٍ»7. فكان قولاً فصلاً و حكماً عدلاً و مهیمناً على ما نزل قبله من الكتب؛ قال تعالى: «وَأَنْزَلْنا إِلَیْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَیْنَ یَدَیْهِ مِنَ الْكِتابِ وَمُهَیْمِناً عَلَیْهِ»8. ثمّ أكمل دینه و أتمّ نعمته بولایة أولی الأمر من أهل بیته، فقال تعالى: «الْیَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِینَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَیْكُمْ نِعْمَتِی وَرَضِیتُ لَكُمُ الإِْسْلامَ دِیناً»9. و قد مضى رسول اللّه ‏صلى الله علیه وآله و ترك لأُمّته میراثین عظیمین، فقال‏صلى الله علیه وآله: «إِنّی تارِكٌ فیكُمُ الثَّقَلَیْن كِتابَ اللّهِ وَ عِتْرَتی أَهْلَ بَیْتی، ما إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِما لَنْ تَضِلُّوا أَبَداً».

فما أعظم شأن هذین الثقلین و ما أكثر بركة هذین المیراثین: أحدهما كتاب اللّه الكریم الذی یبقى مصوناً عن ایّ تحریف الى یوم الدین بضمان من اللّه العزیز، حیث قال: «إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحافِظُونَ»10، و ثانیهما الإمام المعصوم الذی لاتخلو الارض منه، إمّا حاضراً مشهوداً و إمّا غائباً مستوراً، یستضاء بنوره كما یستضاء من نور الشمس من وراء الغمام. فالحمد للّه الذی هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدی لولا أن هدانا اللّه.

واذا كانت الأُمّة محرومة من رؤیة الإمام المعصوم و من بركات قیادته المباشرة، نتیجةً لسوء معاملتهم مع سائر الائمة، فقد تمتّعوا بحضور العلماء العاملین و الفقهاء الصالحین الحاملین لعلومهم، المقتفین لآثارهم، و السائرین بالأمة على هدیهم، فلهم فی الحقیقة مرتبةٌ من خلافة رسول‌الله ـ‌‏صلى الله علیه وآله‌ـ و مرتبة من ولایة أهل بیته ـ‌صلوات اللّه علیهم أجمعین. فقد روی عن النبی ـ‌‏صلى الله علیه وآله‌ـ بطرق كثیرة متظافرة أنه قال: «رَحِمَ اللَّهُ خُلَفائی» و فی عبارة أخرى:‏ «أللَّهُمَ ارْحَمْ خُلَفائی» و فی روایة ثالثة: «رَحْمَةُ اللَّهِ عَلى خُلَفائی» كرّر ذلك ثلاث مرّات. فقیل: «یا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ خُلَفاؤُكَ؟ قالَ: الَّذینَ یَأْتُونَ مِنْ بَعْدی وَ یَرْوُونَ أَحادیثی وَ سُنَّتی وَ یُعَلِّمُونَها النَّاسَ مِنْ بَعْدی»11. و قد روى عن أهل البیت ـ‌‏علیهم السلام‌ـ قولهم «مَجارِی الأُمُورِ بِیِدِ الْعُلَماءِ بِاللَّهِ الأُمَناءِ عَلى حَلالِهِ وَ حِرامِهِ».

فالعلماء الأتقیاء الأمناء التاركون لزخارف الدنیا و حطامها و العاكفون على معارف كتاب اللّه و سنّة رسوله و أهل بیته، هم المرجع لعامّة الناس و الآخذون بأیدیهم إلى الطریق القویم و الصراط المستقیم. فعلیهم بذل غایة الجهد لإستنباط حقایق الدین و تعلیمها لعامّة المؤمنین و إرشادهم إلى الحق المبین، و على الناس أن یقتبسوا من أنوار علومهم و السلوك على هدیهم، و دعمهم فی إنجاز مشروعاتهم و التعاون معهم فی إحیاء الكتاب و السنة و إماتة البدع و الخرافات و مكافحة أعداء الدین و مجاهدة الكفار و المحاربین و الظالمین لحقوق المسلمین. و كذا یجب التعاون معهم فی نشر حقایق الإسلام فی كافة البلاد و لجمیع أهل الارض، فإنها أمانة فی أیدی المسلمین یجب أداؤها لإهلها: «إِنَّ اللَّهَ یَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى‏ أَهْلِها وَ إِذا حَكَمْتُمْ بَیْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ»12.

فنحن معاشر المسلمین یجب علینا اوّلاً: التعرّف على حقایق الإسلام و مواریث النبی الأكرم و الائمة العظام ـ‌صلوات اللّه علیهم أجمعین. و طبعاً یكون للعلماء العاملین شأنهم و دورهم فی هذا المجال. وثانیاً: الإحتفاظ على تلك المواریث و صیانتها عن التحریف اللفظی و المعنوی. و ثالثاً: تعلیمها لسائر الناس فی المعاصرین الموجودین أقطار العالم، و للأجیال القادمة. و رابعاً: السعی وراء تطبیق الأحكام الإسلامیة فی الحیاة الفردیة و الإجتماعیة و إقامة النظام الإسلامی العادل فی شتّى البلاد و تهیئة الأرضیة المناسبة لظهور بقیة اللّه الأعظم ـ‌أرواحنا فداه و عجل اللّه تعالى‏ فرجه الشریف.

هذه واجبات علینا یستقلّ بها العقل و لایحتاج إثباتها إلى دلیل تعبّدی. و لایختص أداء هذه الواجبات بزمن خاص و لا ببقعة خاصة من الأرض. لكن هناك عامل یوجب تأكد هذه الواجبات و مضاعفتها فی هذا العصر و بالنسبة الینا ممّن تمتع بالصحوة الاسلإمیة والنفحة الإلهیة بفضل تضحیة دماء طاهرة و بذل جهود كثیرة و مكابدة ظروف قاسیة، أدّت إلى انتصار الثورة الإسلامیة فی ایران و انتصارات أخرى فى سائر البلاد، و أدّت إلى هزیمة جنود الشیطان فی مشارق الأرض و مغاربها، و تبشّر بإنتصارات قریبة أكثر و أهم لجنود الحق و حزب اللّه المفلحین و هزیمة جنود الباطل و أتباع الشیطان اللعین.

وهذا العامل هو تآلف أحزاب الكفر و النفاق وعبید الدراهم و الدنانیر و كبراء الظلمة الخونة على هدم الإسلام و محاربة المسلمین و التسلط على بلادهم و ثرواتهم و ذخائرهم، و إنكار مفاخرهم و مناقبهم، و نفی مآثرهم و معارفهم و إبادة ثقافتهم و مسخ هویّتهم و إحلالهم دارالبوار و إذاقتهم خزی الحیاة و عذاب النار. و قد بلغ التجری بهم إلى أن أعلنوا تجدید الحرب الصلیبی تجاه المسلمین، مع فارق هو اتّحاد شعوبهم و رسوخ عزائمهم و تمتّعهُم بثروات عظیمة و قوّات مجمّعة و صنائع مدهشة فی هذا العصر بالعكس ممّا كانوا یعیشونه فی عصر الحرب السابق من الضعف والفتور و الجهل و القصور.

والجدیر بإمعان النظر أن هذا الحرب لایختص بالساحة العسكریة، بل یشمل شتّى ساحات الحیاة فیتبلور فی الحصار الإقتصادی و المؤامرات العالمیة ضدّ تقدم المسلمین فی هذا الحقل، و یتجلّى فی إثارة الفتن السیاسیة داخل الثغور الإسلامیة على أیدی المرتزقین و الخائنین. و الأهمّ من الجمیع هو الحرب الثقافی الذی قام به المستعمرون و المستكبرون منذ زمن قدیم بشتّى الأسالیب و الحیل، و مع الأسف نحن نشاهد الیوم باكورة نجاحهم فی بلادنا بل فی بیوتنا. و قد آن الامر إلى أن المستكبرین اجترؤوا على المسلمین بحیث أكدوا على بعض المسئولین فی البلاد الإسلامیة بتغییر البرامج الدینیة و حذف آیات الجهاد عن الكتب الدراسیة، ولا حاجة إلى التوسّع فی هذا البحث فإن العاقل یكفیه الإشارة.

وعلى ضوء هذه الحقایق المرّة یجب علینا جمیعاً، رجالاً و نساءً، التهیّؤ لمجاهدة واسعة النطاق ضد هذه الحركة الشاملة من قبل الكفار والمستكبرین. و إذا كان بعض اقسام الجهاد مختصاً بالرجال، فالجهاد الثقافی لا یختص بجنس و لا قوم و لا شعب و لا أیّ جماعة معیّنة.

وهذا الحرب یحتاج إلى اسلحة ثقافیة و إلى أطروحات و خرائط مناسبة و إلى جهود مكثفة و إلى مساعى متواترة و إلى إخلاص فی النیّة، وإلى عزم راسخ و إلى معلومات واسعة و أجهزة متكاملة للإعلام، و إلى معلّمین جادّین مؤثرین مجاهدین یضحّون بأموالهم و منافعهم و راحتهم و حتى بأعمارهم و أرواحهم فی سبیل أهدافهم المقدسة إبتغاء مرضاة اللّه و خالصاً لوجه اللّه، واللّه من وراء القصد.

فالذی یجب علینا جمیعاً من غیر استثناء السعی وراء توفیر معلوماتنا الدینیة و تعلّم أسالیب الدفاع عن عقائدنا و قیمنا من طریق تكثیر المطالعات و الدراسات، و تأسیس مراكز البحث و الحوار، و الإستفادة من كل أجهزة الإعلام و كل أسالیب التعلیم و التربیة.

و فی الختام أؤكد على أن بذل كل الجحود والطاقات فی أداء الواجب الذی یعبَّر عنه فی اللغة الدینیة بالصبر، إذا كان مشفوعاً بالإخلاص فی النیة و التوكل على اللّه تعالى یجبر كل ما عندنا من الضعف و القصور، و قد جرّب المسلمون هذه الحقیقة طیلة حیاتهم من الصدر الأول إلى یومنا هذا: «كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِیلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِیرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِینَ»13

رزقنا اللّه الصبر و التقوى و ثبات القدم و الإخلاص فی النیة و التوكل على اللّه و تسلیم الأمر الیه و هو حسبنا و نعم الوكیل، نعم المولى و نعم النصیر.


1. آل عمران، 179

2. الجن، 2٦-28

3. الحدید، 2٥

٤. الاحزاب، ٤0

٥. الفرقان، 1

٦. المائدة، 1٦-1٥.

7. فصّلت، ٤1

8. المائدة، ٤8

9. المائدة، 3

10. الحجر، 9

11. راجع بحارالانوار، ج 2؛ عوالی اللئالی، ج ٤؛ من لا یحضره الفقیه، ج ٤؛ وسائل الشیعة، ج 27؛ مستدرك الوسائل، ج 17

12. نساء، ٥8

13. البقرة، 2٥0