كلام بمنزلة المدخل

كلام بمنزلة المدخل

1ـ الغرض من سرد هذا الكلام توضیح اُمور حول موضوع الفلسفة ومنهجها وغـایتهـا

ومن المعلوم أنّ المراد بالفلسفة هی الفلسفة الاُولىٰ أو ما بعد الطبیعة، فإنّ سائر أقسام الفلسفة ـ بالاصطلاح القدیم ـ تُعرف بأسماءٍ خاصّةٍ كالطبیعیّات والریاضیّات، ولا یُبحث عن شیء منها فی هذا الكتاب.

وقد ابتدأ الأستاذ(دام‌ظله‌العالی) بأنّ موضوع الفلسفة ـ وهو الموجود ـ غیر قابل للشكّ والإنكار، وإن وُجد تشكیك فیه فإنّما هو فی اللفظ فحسبُ، ولا یُبدیه إلاّ مكابر معاند. وأشار بهذا إلى مقالة السوفسطیّین، وسیأتی ذكر بعض شبههم والجواب عنها فی مبحث العلم.(1) وللشیخ كلام فی إلهیّات الشفاء،(2) ذكر نقاوته فی الأسفار.(3) وقوله «أشیاء موجودة جدّاً» أی واقعاً وحقیقةً لا بحسب التوهّم. وقوله «كما أنّا نفعل فیها أو ننفعل منها» مستدرك.


1. راجع: (الطبعة الأولى من الكتاب، ص‌‌224ـ226) الفصل التاسع من المرحلة الحادیة عشر.

2. راجع: الفصل الثامن من المقالة الاولى من إلهیّات الشفاء.

3. راجع: الأسفار (الطبعة الحدیثة): ج‌1، ص‌‌90؛ وراجع حول ما یناسب ذلك: التحصیل: ص‌‌292؛ والمطارحات: ص‌‌212؛ والمباحث المشرقیة: ج‌1، ص‌‌349ـ353.

2ـ قوله «غیر أنّا لا نشكّ...»

إشارة إلى لمّ وجود الفلسفة والغرض من تعلّمها، وذلك أنّ معرفتنا بالواقعیّات لا تكون دائماً معرفة حقّة وعلماً مطابقاً للواقع، فربما نحسب ما لیس بموجود موجوداً وبالعكس. فمسّت الحاجة إلى علم یتكفّل تمییز الموجودات الحقیقیّة من غیرها بالبحث البرهانیّ المفید للیقین وهو الفلسفة. وكلامه هذا مثل كلامه فی «اُصول فلسفه» یوهم أنّ هذا هو اللم الأساسیّ بل الوحید، بحیث لولا الخطأ فی معرفة الحقائق والجهل المركّب بالنسبة إلى الواقعیّات لَما احتجنا إلى الفلسفة، ولیس كذلك فإنّ هناك مسائلَ لا یتكفّل بحلّها شیء من العلوم الاُخرى فاحتیج إلى علم خاصّ سمَّوه ب‍ «ما بعد الطبیعة» و«الفلسفة الاُولى» ولو لم یكن لدینا آراء خاطئة حول تلك الاُمور كان للفلسفة مبرّرها. على أنّ من تلك المسائل ما هی مبادئ تصدیقیّة لعلوم اُخرى، ولذلك تحتاج تلك العلوم إلى الفلسفة دون العكس.

3ـ قوله «ولكنّ البحث عن الجزئیّات خارج عن وُسعنا»

یعنی أنّ الفلسفة لا تستطیع تمییز جمیع الحقائق الجزئیة بما أنّها جزئیّة بل على وجه كلّی بأن تُعرّفنا أحوال الموجود المطلق فنجعلها معیاراً لتشخیص الحقائق عن الوهمیّات. مضافاً إلى أنّ البحث الذی یفید الیقین ویوصل إلى الواقع هو البحث البرهانیّ، وهو لا یتناول الجزئیّات والقضایا الشخصیّة على ما ذكر فی المنطق.

وكأنّ الاُستاذ(دام‌ظله‌العالی) أراد بهذین الوجهین توجیه ما ذكروا فی تعریف الفلسفة من أنّها تبحث عن الأحوال الكلّیة للموجود المطلق. لكن هذا الكلام قاصر عن إفادة ذاك المرام، فإنّ ضیق الوسع عن تمییز جمیع الحقائق الجزئیّة لا یصلح علّةً لكون الفلسفة بالخصوص باحثة عن الأحوال الكلّیة، فإنّ جمیع العلوم تبحث عن مسائل كلّیة، ولیس شیء منها متكفّلاً لمعرفة الجزئیات بما أنّها جزئیّات شخصیّة. اللهمّ إلاّ

ما كان من قبیل التاریخ وعلم الرجال. والكلّیة التی تختصّ بمسائل الفلسفة لیست تلك الكلّیة المشتركة بین جمیع العلوم. وعدم شمول البرهان للجزئیّات ـ على ما فیه من الكلام ـ لا یختصّ بالبراهین الفلسفیّة، بل یشمل كلَّ العلوم البرهانیّة كالعلوم الریاضیّة مثلاً، فلنلتمسْ دلیلاً آخر على هذا القید المذكور. ولهذا البحث ذیل طویل، وللقوم كلمات شتّى لا تشفی العلیل، ولا تروی الغلیل.(1)

والحقّ أنّ الكلّیة التی تختصّ بالمسائل الفلسفیّة إنّما هی بلحاظ عدم اختصاصها بنوع معیّن من الموجودات أو بماهیّة خاصّة على ما هو شأن الأحوال التی یبحث عنها فی سائر العلوم ممّا یختصّ بموضوع خاصّ بما أنّها خاصّة به كالأحوال التی یبحث عنها فی الطبیعیّات ممّا یختصّ بالجسم، والأحوال التی یبحث عنها فی الریاضیّات ممّا یختصّ بالكمّ. فعلى العكس من ذلك لا یختصّ مفهوم العلّة أو المعلول بماهیّة خاصّة، وكذا الوحدة والكثرة، وبالفعل وبالقوّة إلى غیر ذلك. وإن كان هناك اختصاص فلیس ذلك ملحوظاً فی البحث الفلسفیّ، فلا یلاحظ فی البحث عن الوجود بالقوّة مثلاً اختصاصه بالموجودات المادّیة، فافهم.

والسرّ فی ذلك أنّ المفاهیم الفلسفیّة كلّها من قبیل المعقولات الثانیة الفلسفیة(2) ممّا لا یعتبر فیها حال ماهیّة خاصّة، فمعرفة القضایا الفلسفیّة والتعریف الوافی للفلسفة الاُولىٰ یتوقّف على معرفة تلك المعقولات.

4ـ قوله «ولمّا كان من المستحیل ـ إلى قوله ـ والمجموع من هذه الأبحاث هو الذی نسمّیه الفلسفة»

أقول: كان قدماء الفلاسفة یُسمّون جمیع العلوم النظریّة والعملیّة بالفلسفة،


1. راجع حول ما یناسب ذلك: الأسفار: ج‌1، ص‌‌23ـ35.

2. راجع حول ما یناسب ذلك: الشوارق: المسألة الخامسة عشر من‏ الفصل الأوّل، ص‌‌62؛ والأسفار: ج1، 332ـ337؛ وشرح المنظومة: ص‌‌34.

وكانوا یقسمون العلوم النظریّة إلى الطبیعیّة والریاضیّة والإلهیّة. وذكر مؤرّخو الفلسفة أنّ أصحاب أرسطو لمّا رتّبوا كتبه الفلسفیّة أخّروا العلم الباحث عن الأحكام الكلّیة للوجود إلى ما بعد علم الطبیعة وسمّی لذلك بما بعد الطبیعة، كما سمّی بالعلم الكلّیّ والعلم الأعلى والفلسفة الاولى بعنایات اُخرى. وقال صدر المتألّهین فی تعلیقته على الشفاء: «اعلم أنّ أقسام الحكمة النظریّة ثلاثة عند القدماء وهی الطبیعیّ والریاضیّ والإلهیّ، وأربعة عند أرسطو وشیعته بزیادة العلم الكلّیّ الذی فیه تقاسیم الوجود»(1) وكلامه هذا صریح فی أنّ العلم الكلّیّ عند شیعة أرسطو هو غیر العلم الإلهیّ الباحث عن المسائل الخاصّة بالمبدء الأوّل تبارك وتعالى.

وقد جرت عادة الفلاسفة الإسلامیّین بتثلیث الأقسام وإدراج المسائل الإلهیّة فی العلم الكلّی(2) كما أنّهم ربما أدرجوا مسائل المعاد بل النبوّة واُصول الأخلاق فی هذا العلم. قال الشیخ فی إلهیّات الشفاء فی الفصل الذی عقده لبیان مسائل هذا العلم بعد ذكر عدّة من الأمور العامّة: «ثمّ ننتقل إلى مبادئ الموجودات، فنثبت المبدء الأوّل وأنّه واحد حقٌّ فی غایة الجلالة... ثمّ نبیّن كیف نسبته إلى الموجودات عنه وما أوّل الأشیاء التی توجد عنه ثمّ كیف تترتّب عنه الموجودات... وماذا یكون حال النفس الإنسانیّة إذا انقطعت العلاقة بینها وبین الطبیعة، وأیّ مرتبة یكون وجودها. وندلّ فی ما بین ذلك على جلالة قدر النبوّة ووجوب طاعتها وأنّها واجبة من عند الله وعلى الإطلاق،(3) والأعمال التی تحتاج إلیها النفوس الإنسانیّة مع


1. راجع: تعلیقة صدر المتألّهین على إلهیّات الشفاء: ص‌‌4؛ وكلامه فی مواضع من الأسفار یدلّ على مغایرة العلم الإلهیّ للفلسفة الاولى. فراجع: ج‌4، ص2ـ3؛ و ج‌6: ص‌‌3ـ4.

2. راجع: المطارحات: ص‌‌196ـ199.

3. إیراد هذه المسائل فی العلم الإلهیّ ممّا یشرف الناظر على القطع بأنّ ذكرها استطرادیّ، ولیس كلّ هذه المسائل فی نظر الشیخ من مسائل هذا العلم.

الحكمة فی أن یكون لها السعادة الاُخرویّة، ونعرّف أصناف السعادات. فإذا بلغنا هذا المبلغ ختمنا كتابنا هذا، والله المستعان به على ذلك».(1)

وقد اختلفت كلمات القوم فی تعیین موضوع هذا العلم بحیث یمكن جعل هذه المحمولات المتكثّرة عوارضَ ذاتیّةً له. قال الشیخ بعد نقل قول من قال بأنّ موضوع هذا العلم هو المبدء الأوّل ومن قال بأّنّ موضوعه هو الأسباب القصوى والردّ علیهما: «إنّ موضوع هذا العلم هو الموجود بما هو موجود».(2)

وقال فی الأسفار: «للموجود بما هو موجود عوارضُ ذاتیّة یبحث عنها فی العلوم الإلهیّة، فموضوع العلم الإلهیّ هو الموجود المطلق، ومسائله إمّا بحث عن الأسباب القصوى لكلّ موجود معلول، كالسبب الأوّل الذی هو فیّاض كل وجود معلول من حیث إنّه وجود معلول، وإمّا بحث عن عوارض الموجود بما هو موجود، وإمّا بحث عن موضوعات سائر العلوم الجزئیّة. فموضوعات سائر العلوم الباقیة كالأعراض الذاتیّة لموضوع هذا العلم».(3)

ولا یخفى أنّه عطف عوارض الموجود بما هو موجود على الأسباب القصوى لكلّ موجود معلول ممّا هو ظاهر فی المباینة بینهما على رغم تصریحه بأنّ العلوم الإلهیّة تبحث فقط عن عوارض الموجود بما هو موجود، وجعل البحث عن موضوعات سائر العلوم الجزئیّة أیضاً قسیماً للبحث عن عوارض الموجود، إلاّ أنّه استدرك أخیراً بأنّ موضوعات سائر العلوم كالأعراض الذاتیة لموضوع هذا العلم، فافهم.

وقد علّق الاُستاذ(دام‌ظله‌العالی) علیه بأنّ هذا الكلام مبتنٍ على قسمة غیر دائرة بین النفی والإثبات، وأنّه لا یشیر إلى لمّ البحث وسببه القریب. ثمّ ذكر ما هو كالملخّص لكلامه ههنا فی المدخل.


1. راجع: الفصل الرابع من المقالة الاولى من إلهیّات الشفاء.

2. راجع: الفصل الأوّل والفصل الثانی من المقالة الاولى من إلهیّات الشفاء.

3. راجع: الأسفار: ج‌1، ص‌‌24ـ25.

ثمّ إنّ صدر المتألّهین قال فی كلام له: «واقض العجب من قوم اضطرب كلامهم فی تفسیر الاُمور العامّة... فإنّهم فسّروها تارة بما یشمل الموجودات أو أكثرها، فیخرج منه الوجوب الذاتیّ والوحدة الحقیقیّة والعلّیة المطلقة وأمثالها ممّا یختصّ بالواجب؛ وتارة یشمل الموجودات إمّا على الإطلاق أو على سبیل التقابل (وهذا هو الذی یلوح من كلام الاُستاذ اختیاره)... ولشموله الأحوال المختصّة زید قید آخر وهو أن یتعلّق بكلّ من المتقابلین غرض علمی(1) ـ إلى أن قال: ـ وأنت إذا تذكّرت أنّ أقسام الحكمة الإلهیّة ما یبحث فیها عن العوارض الذاتیّة للموجود المطلق بما هو موجود مطلق أی العوارض التی لا یتوقّف عروضها للموضوع أن یصیر تعلیمیّاً أو طبیعیّاً لاستغنیت عن هذه التكلّفات وأشباهها».(2)

وقد علّق علیه الاُستاذ(دام‌ظله‌العالی) بقوله «قد ظهر ممّا قدّمناه أنّ من الواجب أن یفسّر الاُمور العامّة بما یساوی الموجود المطلق إمّا وحده وإمّا مع ما یقابله فی القسمة المستوفاة. والمراد بالمقابلة هو نتیجة التردید الذی فی التقسیم. وبذلك یظهر اندفاع جمیع ما أورده(رحمة‌الله) فتبصّر».

وقال الشیخ فی الشفاء فی كلام له: «ولیس إنّما ینظر فی المشترك بل ینظر فی ما یخصّ علماً علماً لكنّه مبدء لذلك العلم وعارض للمشترك، فإنّ هذا العلم قد ینظر فی العوارض المخصّصة للجزئیّات إذا كانت لذاتها وأوّلاً وكانت لم تتأدّ بعدُ إلى أن تكون أعراضاً ذاتیة لموضوعات العلوم الجزئیّة».(3)

وقال فی القبسات: «إنّما البحث عن موضوعات العلوم الجزئیّة وأجزاء


1. راجع: الشوارق: ص‌14.

2. راجع: الأسفار: ج‌1، ص‌‌28ـ30.

3. راجع: آخر المقالة السادسة من إلهیّات الشفاء؛ وراجع: التعلیقات: ص170ـ171.

موضوعاتها جمیعاً على ذمّة العلم الأعلى ـ إلى أن قال ـ والبحث عن الهلیّة البسیطة لأیّ شیء كان من مطالب العلم الذی فوق الطبیعة».(1)

والذی یظهر من التأمّل فی كلماتهم التی نقلنا نماذج منها أنّ الذی دعاهم إلى هذه الأبحاث الطویلة هو الإجابة على هذه الأسئلة: ما هو نطاق مسائل الفلسفة الاُولى؟ وهل یشمل مسائل المبدء والمعاد أو لا؟ وإذا كانت تشمل جمیعها أو بعضها فهل لهذا الشمول ملاك برهانیّ أو هو تابع للمواضعة؟ وإذا كان ملاك تعیین مسائل العلم كون محمولاتها عوارض ذاتیّة لموضوع العلم فما المراد بالعوارض الذاتیّة؟ وهل یعتبر فیها المساواة للموضوع أو تشمل ما هو أخصّ منه؟ وإذا اعتبر فیها المساواة فكیف تذكر فی العلوم ـ ومن جملتها الفلسفة الاُولى ـ مسائل تكون محمولاتها أخصّ؟

قال الاُستاذ(دام‌ظله‌العالی) فی تعلیقة له على الأسفار: «الاقتصار فی العلوم على البحث عن الأعراض الذاتیّة لا یبتنی على مجرّد الاصطلاح والمواضعة، بل هو ممّا یوجبه البحث البرهانیّ فی العلوم البرهانیّة» ثمّ أشار إلى شروط مقدّمات البرهان فقال «وأن تكون ذاتیّة المحمول للموضوع أی بحیث یوضع المحمول بوضع الموضوع ویرفع برفعه مع قطع النظر عمّا عداه، إذ لو رفع مع وضع الموضوع أو وضع مع رفعه لم یحصل یقین، هذا خلف. وهذا هو الموجب لكون المحمول الذاتیّ مساویاً لموضوعه» ثمّ قال «ولو كان بعض المحمولات أخصّ من موضوعه كان هو وما یقابله فی التقسیم محمولاً ذاتیّاً واحداً للموضوع الأعمّ، كما أنّ كلاً منها ذاتیّ لحصّة خاصّةٍ من الأعمّ المذكور».(2)

ومن كلامه هذا تعرف آراءه فی الإجابة على الأسئلة المذكورة.


1. راجع: القبسات (الطبعة الحدیثة): ص19.

2. راجع: الأسفار: ج‌1، ص‌‌30ـ31.

وقال الشیخ فی النجاة: «ولواحق الشیء من جهة ما هو هو ما لیس یحتاج الشیء فی لحوقها له إلى أن تلحق شیئاً آخرَ قبله أو إلى أن یصیر شیئاً آخر فتلحقه بعده ـ إلى أن قال ـ ومن هذه اللواحق التی تلحق الشیء من جهة ما هو هو ما هو أخصَّ منه. ومنها ما لیس أخصَّ منه، والتی هی أخصُّ منه فمنها فصول ومنها أعراض. وبالفصول ینقسم الشیء إلى أنواعه، وبالأعراض ینقسم إلى اختلاف حالاته» (أی إلى أحواله المختلفة).(1)

وكلامه هذا صریح فی أنّ من العوارض الذاتیة ما هو أخصُّ من الموضوع، وأمّا ما ذكره الاُستاذ فی بیان ضرورة مساواة العارض الذاتی لمعروضه فهو إذا تمّ فإنّما یثبت ضرورة مساواة المحمول لموضوع المسألة لا لموضوع العلم، فافهم. وأمّا العلاقة بین موضوعات المسائل وموضوع العلم فالذی یختلج بالبال أنّها لیست أمراً برهانیّاً، فربما تكون موضوعات المسائل أجزاءً لموضوع العلم كما فی مسائل علم الطبّ، وربما تكون أنواعاً لمهیّة جنسیّة أو أصنافاً لمهیّة نوعیّة كما فی العلوم الطبیعیّة، وربما تكون مصادیقَ لعنوان انتزاعیّ عقلیّ كما فی الفلسفة الاُولى، أو لعنوان اعتباریّ كما فی العلوم الاعتباریّة.

توضیح ذلك: انّ القدماء لمّا جمعوا المعارف الإنسانیّة وأخذوا فی ترتیبها وتنسیقها سمَّوا كلّ مجموعة متناسبة منها باسم علم خاصّ، وأطلقوا علیها اسم العلم أو الفنّ أو الصناعة (كما أطلق الاُستاذ(دام‌ظله‌العالی) اسم الصناعة على الفلسفة الاُولىٰ فی أوّل الكتاب واسم الفنّ علیها فی آخر المدخل) بنحو من الاشتراك اللفظیّ فإنّ لكلّ من هذه الألفاظ معنى آخر أعمَّ أو أخصَّ أو مبائناً، وأطلقوا على الجمیع اسم الفلسفة والحكمة. فكانت الفلسفة عندهم اسماً عامّاً لتلك العلوم، وكانت تنقسم إلى علوم نظریّة وعملیّة. والعلوم النظریّة كانت ثلاثة أو أربعة عندهم على ما مرّت


1. راجع: النجاة: ص‌‌198.

الإشارة الیه. وكانت العلوم الطبیعیّة والریاضیّة تنقسم إلى علوم جزئیة كعلم المعادن وعلم النبات وعلم الحیوان، وكعلم الحساب والهندسة والموسیقى، وغیرها. كما أنّها لا یزال كلّ واحد منها ینقسم إلى علوم أكثرَ جزئیّةً لاتّساع نطاق مسائلها، وإن كان یمكن التقسیم على حسب اختلاف الأغراض والغایات أو على حسب أسالیب البحث والاستدلال كالاُسلوب التجریبیّ والأسلوب التعقّلیّ والأسلوب النقلیّ، فلم یكن التقسیم بحسب الموضوعات أمراً متعیّناً عقلاً لا یصحّ مخالفته، كما انّهم لو لم یقسّموا العلوم وجعلوها علماً واحداً موضوعه مطلق الموجود (لا الموجود المطلق) لم یلزم محذور عقلیّ.

ثمّ إنّهم لاحظوا أنّ البراهین المستعملة فی العلوم كثیراً مّا یكون إثبات مقدّماتها على ذمّة علوم اُخرى، فلذلك بِعَینه سعَوا فی تعیین مراتب العلوم وأوصَوا برعایتها لِتَقلّ الحاجة إلى العلوم المتأخّرة فی إثبات المسائل المتقدّمة. كلّ ذلك كان تسهیلاً للتعلیم ورفقاً بالمتعلّمین. ولمّا جعلوا ملاك تمایز العلوم اختلافَ الموضوعات أی اختلاف العناوین الكلّیة المنطبقة على موضوعات المسائل اشترطوا فی المسائل أن تكون محمولاتها مناسبة لموضوع العلم بأن تكون مأخوذة فی حدّه أو یكون الموضوع مأخوذاً فی حدّها أو یكون جنس ما یؤخذ فی حدّها أو معروضه، وسمَّوا مثل تلك المحمولات بالذاتیّة بنوع من الاشتراك اللفظیّ، وهذا هو المراد بقولهم «موضوع كلّ علم ما یبحث فیه عن عوارضه (أو أعراضه) الذاتیّة»(1) ولولا رعایة ذلك


1. قال فی التحصیل (ص‌‌221): اعلم ان المطلوب فی العلوم هو الأعراض الذاتیة، وانما سمیّت ذاتیة لانها خاصّة بذات الشیء أو جنسه، إمّا على الاطلاق فمثل ما للمثلث من كون الزوایا الثلاث مساویة لقائمتین، وامّا بحسب المقابلة وهو ان لا یخلو الشیء عنه أو عن مقابله كما بینّاه. ولو كانت الاعراض الغریبة یبحث عنها فى العلوم لكان یدخل كل علم فی كل علم، وصار النظر لیس فی موضوع مخصّص، ولكان العلم الجزئی علما كلیاً ولما كانت العلوم متباینة. وراجع: الفصل الثانی من المقالة الثانیة من الفن الخامس من منطق الشفاء؛ وراجع: النهج الأوّل من منطق شرح الإشارات.

الملاك لم یكن وجه لاعتبار كون محمولات المسائل ذاتیّة لموضوع العلم، بل كانت غایة ما یلزم أن یكون محمول المسألة ذاتیّاً لموضوع نفس المسألة. ولمّا لاحظوا أنّ محمولات الموضوع العامّ تكون ثابتة لأنواعه دون العكس إلاّ بنحو القضیّة الجزئیّة اشترطوا فیها أن تكون أوّلیّة، أی لا یكون عروضها بواسطة أمر أعمّ أو أخصّ، حذراً من التداخل والتكرار أو ازدیاد حاجة العلوم بعضها إلى بعض، وربما أدرجوا شرط الأوّلیّة فی الذاتیّة. فراجع برهان الشفاء وأساس الاقتباس.

ثمّ إن تطبیق هذه الشروط ورعایة هذه الالتزامات فی مسائل العلوم أوقعهم فی مضایق كثیرة تكلّفوا للخروج عنها بمثل ما ذكرنا نماذج منها، وخاصّةً فی الفلسفة الاُولىٰ حیث إنّ موضوعها هو الموجود، وهو كسائر المفاهیم الفلسفیّة لیس معنى جنسیّاً ولا نوعیّاً حتّى یؤخذ فی حدّ شیء أو یؤخذ فی حدّه شیء.

والحاصل أنّه یمكن جعل موضوع الفلسفة الاُولى هو الموجود بما ینتزع منه المعقولات الثانیة الفلسفیّة العامّة وجعل العلم الإلهیّ علماً برأسه، كما أنّه یمكن توسیع التعریف بحیث یشمل مسائل المبدء بل المعاد كجعل موضوعین أو أكثر لها، كما یمكن إدراج جمیع المسائل التی تثبت بالمنهج التعقلیّ المحض فیها. وقد أشرنا إلى إمكان جعل الفلسفة علماً عامّاً شاملاً لكلّ العلوم البرهانیّة وجعل موضوعها مطلق الموجود، ولا یلزم من شیء من ذلك مخالفة عقل أو وحی سماویّ.

5ـ قوله «انّ الفلسفة أعمّ العلوم جمیعاً»

لمقایسة العلوم بعضها ببعض اعتباران: أحدهما نسبة مفاهیم موضوعاتها بعضها إلى بعض، فإذا كان موضوع علم أعمَّ من موضوع علم آخر سمّی العلم الأوّل «أعمَّ» كنسبة العلم الطبیعیّ إلى علم الحیوان، لكن فی هذا الاعتبار لا تغایر بین العلمین لأنّ الأخصَّ جزء من‏ الأعمّ. ثانیهما نسبة المسائل بعضها إلى بعض

بحسب مقام الإثبات، فإذا كان مسائل علم من مبادئ علم آخر سمّی العلم الأوّل «أعلى» كنسبة العلم الكلّی والفلسفة الاُولىٰ إلى سائر العلوم.

ثمّ إنّ التصدیق بوجود موضوع العلم یُعدّ من مبادئه، فإذا لم ‏یكن بدیهیّاً احتاج إلى علم أعلى حتّى یثبت فیه. فكلّ علم لا یكون وجود موضوعه بدیهیّاً احتاج إلى علم أعلى، وحیث لا یوجد علم أعلى من الفلسفة الاُولى فلیكن هذا العلم متكفّلاً لإثبات تلك الموضوعات. وهذا هو السرّ فی إدراج هذه المسائل فی الفلسفة. وأمّا تعلیل ذلك بأعمّیة الموضوع فهو یناسب الفلسفة بمعناها العامّ الذی یشمل جمیع العلوم، وهی بهذا المعنى لیست علماً برأسها.

6ـ قوله «كانت المحمولات المثبتة فیها إمّا نفس الموضوع ـ إلخ ـ »

حاصله أنّ مسائل الفلسفة على قسمین: قسم منها یبحث عن أحوال مساویة للموجود، وقسم منها یبحث عن ‏التقسیمات الأولیّة للموجود فتكون من قبیل القضایا المردّدة المحمول، ویكون موضوع القضیة فی كلا القسمین هو الموجود إلاّ أنّه تعكس القضایا غالباً فیجعل الموجود محمولاً، وهذا ما نبّه علیه فی الأمر الثالث.

ویلاحظ علیه أوّلا أنّ هذا البیان یوجب حصر الفلسفة فی عدّة مسائل معدودة ویكون البحث عن الأحوال الخاصّة بالأقسام خارجاً عنها، فیلزم الاستطراد فی الأكثر. إلاّ أن یتكلّف بارجاعها إلى إثبات الوجود لتلك الأحوال، لكن هذا یجری فی جمیع مسائل العلوم، فیلزم كون الجمیع من الفلسفة الاُولىٰ وهو كما ترى.

وثانیا إذا اشترط فی تقسیمات الموجود كونها أوّلیّة تقلّصت تلك المسائل المحدودة إلى ما لا یجاوز عدد الأصابع، وإذا لم یشترط ذلك لزم عدّ التقسیمات الجزئیة التی لا تحصى من مسائل الفلسفة كتقسیم الأجسام إلى الحیّة وغیرها، وتقسیم الحیوان إلى البوائض والموالد، والبوائض إلى الطیور والحیتان، والموالد

إلى الوحوش والأنعام وغیرها، وهكذا تقاسیم الجماد والنبات ممّا یذكر فی العلوم الطبیعیّة. ولا یوجد ملاك برهانیّ لتوقیف التقسیم.

7ـ قوله «لم یتصوّر هناك غایة خارجة منه»

العلوم تنقسم إلى آلیّة تتعلّم لأجل علم آخر كالمنطق بالنسبة إلى الفلسفة، وكاُصول الفقه بالنسبة إلى علم الفقه؛ وغیر آلیّة وهی ما لا تتعلّم لأجل علم آخر وإن كان تعلّمها لأجل فوائد تترتّب علیها فی الدنیا والعقبى ولا أقلّ من إرضاء غریزة حبّ الاطّلاع وكشف الحقیقة. والفلسفة لیست علماً آلیّاً، فلا یكون علم آخر غایة لها. لكن لها فوائد تترتّب علیها من معرفة المبدء الأوّل والأسباب القصوى، وتمییز الحقائق من الوهمیّات، ووراء الجمیع إرضاء الغریزة المذكورة. كما یمكن عدّ معرفة مبادئ سائر العلوم ـ ومنها إثبات موضوعاتها ـ من تلك الفوائد.

قال الاُستاذ(دام‌ظله‌العالی) فی بدایة الحكمة: «وغایته تمییز الموجودات الحقیقیّة من غیرها ومعرفة العلل العالیة للوجود وبالأخصّ العلّة الاُولى التی تنتهی إلیها سلسلة الموجودات، وأسمائه الحسنى وصفاته العلیا». والظاهر من نفی الغایة له فی هذا الكتاب هو بیان عدم كون علم آخر غایة له كما قال «من غیر أن تقصد لأجل غیرها وتكون آلة للتوصّل بها إلى أمر آخر كالفنون الآلیّة». وأمّا تعلیل نفی الغایة للفلسفة بأعمّیة الموضوع وعدم خروج شیء عنه ففیه أنّ عموم الموضوع یقتضی عدم وجود الغایة للموضوع، لا نفی الغایة للعلم، فافهم.

8ـ قوله «فالبراهین المستعملة فیها لیست ببراهین لمیّة»

تحقیق هذا الأمر یتوقّف على معرفة تامّة بأقسام البرهان وشرائطها، وهذا ما لا یسعنا الخوض فیه ههنا، ولكن لا بدّ من الإشارة إلى أهمّ ما یرتبط بهذا البحث، فنقول:

البرهان ـ وهو القیاس المفید للیقین ـ یتشكّل من مقدّمات یقینیّة. ولمقدّمات البراهین التی یبرهن بها فی العلوم والتی تفید التصدیقات الیقینیّة الكلّیة شروط مذكورة فی كتب المنطق كبرهان الشفاء وأساس الاقتباس وشرح الإشارات. وإذا كانت مقدّمات البرهان واجدة لشرائطها من حیث المادّة والهیئة أنتجت الیقین بقضیّة اُقیم البرهان علیها. فالمقدّمات علّة للتصدیق بالنتیجة فی كلّ برهان. إلاّ أنّ من البراهین ما یكون الحدّ الأوسط فیها علّة لثبوت الأكبر ـ وهو المحمول فی النتیجة ـ للأصغر ـ وهو الموضوع فیها ـ وهو الذی یسمّى بالبرهان اللّمیّ؛ ومنها ما یكون الحدّ الأوسط معلولاً لثبوت الأكبر للأصغر، فلا یفید العلم الیقینیّ بثبوت المحمول إلاّ إذا عُلم بانحصار العلّة، وهو الذی یسمّى بالدلیل كما یسمّى بالبرهان الإنّی؛ ومنها ما یكون الحدّ الأوسط والحدّ الأكبر من لوازم الحدّ الأصغر ـ لا علّةً لثبوت الأكبر ولا معلولاً له ـ فیستدلّ بما هو بیّن منهما على ما لیس ببیّن، بأن یجعل اللازم البیّن حدّاً أوسط، ویسمّى أیضاً بالبرهان الإنّیّ ویختصّ باسم البرهان الإنّیّ المطلق. فالبرهان اللمّی إنّما یقام على قضیّة یكون ثبوت محمولها لموضوعها معلولاً لشیء فیجعل ذلك الشیء حدّاً أوسط. وإذا كانت العلّة مركّبة من أمور متعدّدة وكان العلم بالمعلول رهن الالتفات إلى جزء خاصّ منها كفى جعل الحدّ الأوسط ذلك الجزء.

وههنا اُمور دقیقة یجب لفت النظر إلیها:

أحدها أنّ من شروط البرهان اللمّیّ أن یكون الحد الأوسط علّة لثبوت الأكبر للأصغر وتحقّقه فیه، ولیس یلزم أن یكون علّة لثبوت الأكبر فی نفسه، حتّى أنّهم صرّحوا بأنّ الحدّ الأوسط قد یكون معلولاً للحدّ الأكبر فی نفسه وهو مع ذلك علّة لثبوته للحدّ الأصغر.

ثانیها أنّه یجب أن یلاحظ رابطة العلّیة بین كلّ ما جُعل حدّاً أوسط وبین كلّ ما جُعل حدّاً أكبر فی البرهان، فلا یكفی ملاحظة الرابطة بین الحدّ الأوسط وبعض ما

یذكر فی الحدّ الأكبر. فقولهم «كلّ جسم مؤلَّف (بفتح اللام) وكلّ مؤلَّف فله مؤلِّف (بكسرها)» لیس من قبیل الدلیل والسلوك من المعلول إلى العلّة، لأنّ الحدّ الأكبر هو «له مؤلّف» لا «مؤلّف» وحده، وقد صرّح المحقّق الطوسی بأنّه برهان لمّی.(1)

وثالثها أنّ مرادهم بالعلّیة هنا ما هو أعمُّ من العلّیة العینیّة والتأثیر الخارجىّ، ویشمل العلّیة بین الاعتبارات العقلیّة، فالإمكان مثلاً عندهم علّة لحاجة الممكن إلى الواجب، وعلى هذا یكون قولهم «العالم ممكن، وكلّ ممكن یحتاج الى الواجب» من قبیل البرهان اللمّی مع أنّ مغزاه إثبات الواجب من طریق العلم بمعلوله الذی هو العالم.

إذا عرفت هذا فنقول: إذا كان كلام الاُستاذ(دام‌ظله‌العالی) من عدم جریان البراهین اللمیّة فی المسائل الفلسفیّة مبتنیاً على ردّ هذه الاُمور فلیُنظرْ فی المبنى، وأمّا إذا كان مبتنیاً على قبولها فیمكن المناقشة فیه أوّلا بأنّ شرط البرهان اللمّی كون الحدّ الأوسط علّة لثبوت الحدّ الأكبر للأصغر لا كونه علّة لنفس الحدّ الأصغر، فعدم وجود العلّة للموجود المطلق لا ینافی ثبوت العلّة لحمل الموجود على شیء ولا لحمل مفهوم آخَرَ للموجود المطلق وخاصّةً بالنّظر إلى الأمر الثالث. ورجوع جمیع المحمولات إلى الموضوع أیضاً لا یضرّ بذلك، لأنّ هذا الرجوع والاتّحاد إنّما هو بحسب المصداق دون المفهوم، كما صرّح به نفسه.

وثانیا عدم وجود علّة للموجود المطلق لا یستلزم عدم علّة لحصّة خاصّة أو لمرتبة خاصّة منه، ویكفی فی ذاتیّة المحمول أن یكون ثابتاً لحصّة من موضوع العلم، كما أنّه یكفی أن یكون حصّة من المحمول ثابتة للموضوع كما صرّح به أساطین المنطق.

وثالثا بناءً على كون ‏المسائل الإلهیّة من مسائل الفلسفة لا مناص عن قبول إمكان إقامة البرهان اللمّی فیها، فإنّ الأفعال الإلهیّة یمكن إثباتها من طریق الصفات التی هی


1. راجع: النهج التاسع من شرح الإشارات.

عین الذات الإلهیّة تبارك وتعالى، فیسلك من العلّة إلى المعلول وهو برهان لمّی، مضافاً إلى ما عرفت من جریان البرهان اللمّی فی مسائل العلم الكلّی أیضاً.

وقد تحصّل من جمیع ما ذكرنا أنّ الأولى تقسیم المسائل المدوّنة فی هذا الكتاب إلى قسمین: أحدهما مسائل العلم الكلّیّ أو الفلسفة الاُولىٰ الباحثة عن الاُمور العامّة أی المعقولات الثانیة الفلسفیّة (دون المنطقیّة) التی لا تختصّ بموجود معیّن بما هو خاصّ به، وموضوعه الموجود بما هو معروض تلك المعقولات، وغایته معرفة المبادئ التصدیقیّة لسائر العلوم وخاصّةً العلم الإلهیّ ـ أی القسم الثانی من هذه المسائل المدوّنة ـ وكذا تمییز المعارف الحقیقیّة من الوهمیّات. وموضوع هذا العلم بدیهیّ تصوّراً وتصدیقاً، أمّا الأوّل فواضح، وأمّا الثانی فلأنّه مأخوذ من ‏العلم الحضوریّ بوجود النفس وقواه وأفعاله وانفعالاته، ذاك العلم الذی لا یقبل الخطأ لكونه عین المعلوم. وأمّا المبادئ التصدیقیّة لهذا العلم فتنحصر فی البدیهیّات، فلا تحتاج إلى أن تثبت فی علم أعلى.

وثانیهما مسائل العلم الإلهیّ الباحثة عن وحدة الواجب تعالى وسائر صفاته وأفعاله. وموضوعه الواجب الوجود تبارك وتعالى، وغایته القصوى هی الفوز بقربه. وأمّا وجود موضوعه فیثبت فی العلم الكلّی كسائر مبادئه النظریّة. والله الهادی.