خطر يهدد أجيالنا القادمة

في ملتقى الأخلاق والسلوك الثوري، مشهد المقدسة، مدرسة نواب العلمية العليا؛ التاريخ: الخميس، 25 تشرين الثاني 2019م

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين.

اللهُمّ كُن لوليِّكَ الحجّةِ بنِ الحسن، صلواتُكَ عليهِ وعلى آبائِه، في هذهِ الساعَةِ وفي كلِّ ساعةٍ، وليًّا وحافِظًا وقائِدًا وناصِرًا ودَليلًا وعَينًا، حتّى تُسكِنَه أرضَكَ طَوعًا وتمتِّعَهُ فيها طويلًا.

إلى روح الإمام الراحل (رضوان الله عليه) وشهداء الإسلام العظام، ولا سيما شهداء الشريحة العلمائية، وكل من له حق علينا من العلماء والأساتذة والأعلام نهدي ثواب الصلوات.

أشكر الله تعالى أن حباني، ببركة زيارة ضريح ثامن الحُجَج الإمام الرضا (صلوات الله عليه وعلى آبائه وأبنائه المعصومين)، بالتوفيق للمشاركة في هذا المجلس النيّر الرائع لأتنعّم بأنفاسكم القدسية وأغترف من بركاتكم وأنواركم القلبيّة علَّ الله جلّ شأنه أن يتحنّن عليّ بفضلكم بالمغفرة والرحمة.

خطط الأعداء لإفشال الثورة

بدا لي أن أتحدّث إليكم أيّها الأعزّة باختصار، وبما تسمح به قابليّتي واستيعاب المجلس، في موضوع يشكّل اليوم تهديدًا لمجتمعنا المسلم، ولا سيما نظام الجمهورية الإسلامية المقدّس وجماهير هذا البلد الشرفاء.

منذ أن فتحنا نحن، وخصوصًا أنتم جيل الشباب، أعيننا وأحداث نهضة الإمام الخميني (رضوان الله عليه) والثورة وما شاكل جارية؛ الجيل الأكثر شبابًا سمعَ بأخبارها، ونحن المسنّين أدركنا تلك الأحداث بأنفسنا. جميعنا يحمل هذا الفَهم وهذه الفكرة وهي أنّ لنا أعداء، يسعون لإيقاف تقدّمنا، أو إبطاء مسيرتنا على الأقل إن استطاعوا، أو إسقاط هذا النظام بالكامل، كما يخيّل إليهم، إذا تمكّنوا منه، أقول: جميعنا يعي ذلك لكننا ربما نختلف في الطرق التي نرى أن العدو قد ينتهجها لضرب هذه المسيرة العظيمة، التي انطلقَت بفضل ثورة الإمام الراحل (رضوان الله عليه) والتي يندر أن يوجَد مثيل لها، بل ربما ينعدم. ما يعيه معظم أفراد الشعب من ضغوط العدو هو الضغوط الاقتصادية المفروضة على مجتمعنا بسبب أنواع الحظر؛ فالكل يدرك أن العدو يسعى بهذه الطريقة إلى إركاع مسؤولي إيران وجماهير شعبها لبسط سلطته على البلد من جديد.

على مستوًى أعلى بقليل ينصَبّ اهتمام البعض على بعض القضايا السياسية الخاصّة، مضافًا إلى القضايا الاقتصادية؛ وهو أنّ للعدو، ناهيك عن الحصار الاقتصادي الذي يفرضه علينا، نشاطات على الصعيد السياسي، وأن له أهدافًا يسعى لتحقيقها، غالبًا عبر عملائه المباشرين أو غير المباشرين، ممّن قد يمارسون خططهم عبر عدة وسائط. الـمُلمّون بالقضايا السياسية يفقهون هذه القضايا أيضًا ويشاهدون مؤشّراتها، وهم يعملون على الحيلولة دون حدوثها أو على مواجهتها.

أهم هدف يبتغيه العدو من تهديداته

لكن لعل هناك خطر أشد من هذه الأمور، قد يكون متجسّدًا في زماننا هذا بصورة "الشيطان الأكبر"، لكنّه خطر طويل الأمد جدًّا، كان قائماً من قبل، وهو يطفو على السطح في كل آنٍ بوَجه معيّن، وهو لن يُدرأ بهذه السرعة؛ إنه الخطر الذي يشكّله أهل الباطل ضد أهل الحق، يتسبّب به المشركون والملحدون ضد المسلمين والموحّدين. هذا الخطر ليس وليدَ اليوم أو البارحة، وإنّ مبدأه لحظةَ خاطبَ إبليس اللهَ: (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغوِيَنَّهُمْ أَجْمَعين).[1] فعلى امتداد البضعة آلاف عام التي تصرّمَت منذ هبوط نبي الله آدم (عليه السلام) إلى الأرض وحتى اليوم، والتي لا نحيط علمًا بتاريخها على وجه الدقة، وهذا الخطر قائم بصور شتّى، بما يناسب الزمان والمكان والظروف الجغرافية، وهو متواصل على يد العناصر الشيطانية، أو ما يعبّر عنهم القرآن الكريم "قَبيل الشيطان"؛ (لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ... إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَقَبيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُم[2] ويُنفَّذ اليوم على يد أحد غلمان إبليس، الذي سماه إمامنا الراحل (رضوان الله عليه): "الشيطانَ الأكبر"، وإلا فهو ليس بالشيء الجديد؛ إنه حركة في غاية العمق، والامتداد، تمارَس عبر خطط في منتهى التعقيد، هدفها حَرف بني آدم عن نهج الحق وإدخالهم نار جهنم؛ (فَبِعِزَّتِكَ لَأُغوِيَنَّهُمْ أَجْمَعين).

وحيث إنّ اهتمام غالبية الناس يَنصَب على القضايا المادية والاقتصادية فإنهم لا يعون هذا الخطر، بل إن الألمعيّين وأصحاب الفكر النافذ، ممن يُلمّون بالقضايا السياسية والدولية، هم أيضًا لا يعون هذا الخطر تمام الوعي. وبطبيعة الحال تتناسب مواقف الرجال مع مستوى فهمهم؛ إذ يسعى كل امرئ، بمقدار فهمه للخطر، وبحسب قدراته، إلى الحيلولة دون وقوعه، أو مواجهته، أو تدارك الأمر بعد وقوعه. كل ذلك يعتمد على نطاق الخطر الذي يستشعره، فهو لا يستوعب ما يتعدى هذا النطاق فلا يُقدِم على شيء، بل قد يرى إقدام الآخرين في هذا المجال أمرًا لا داعي له. فكثيرون من بين الشرائح المختلفة في الداخل وكذا في الخارج يعتقدون أننا إن أردنا مواجهة ما يحيق اليوم بالدول الإسلامية عمومًا والجمهورية الإسلامية في إيران خصوصًا من مخاطر فإن علينا محاربة الخطر الاقتصادي والسعي لإيجاد الحلول له. بالطبع هذا الخطر (الأخير) موجود وجميعنا يدركه، لكن هل هو الخطر الأصيل، أم إنه مقدمة لخطر أكبر منه؟!

إن صدّقنا بوجود هذا الخطر الثالث فإن جميع الأخطار الأخرى هي ممهِّدات لتحقق ذلك الخطر النهائي المعنوي والروحي والإلهي، ألا وهو تفشي الكفر والاستبداد والإلحاد وعبادة الشيطان في المجتمع، ليجني تلامذة الشيطان الثمار من معلمهم. إذًا نحن نفترض أن هذا الخطر هو واحد من الأخطار.

خطر إقصاء الأجيال القادمة عن الإسلام ومعتقداته

اليوم، وباعتراف الكثير من أصحاب الرأي في المجالات المختلفة، خابت آمال أعداء الإسلام وأعداء ثورتنا ويئسوا من معظم الدسائس التي حاكوها، ووصلوا في جميع الطرق التي سلكوها إلى أبواب مغلقة؛ فقد جرّبوا طرقًا شتّى منذ أول انتصار الثورة ظانّين أن "حَفل تأبين الثورة!" سيُقام بعد ستة أشهر (من انتصارها)، ثم جعَلوه بعد عام واحد، ثم بعد عامين، ثم في الحرب المفروضة، ثم بعدها، وجرّبوا لذلك مختلف الطرق والأساليب، لكن – ولله الحمد - باءت جميع مساعيهم تلك بالفشل، بفضل دعوات صاحب العصر والزمان (عجّل الله تعالى فرَجه الشريف) والإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) والإمام القائد الخامنئي (دام ظله)، الذي يُعَد وجودُه بالنسبة إلى المجتمع المسلم من أعظم النعم الإلهية.

لكنّ السبيل التي رأى العدو أن نجاحه يكمن فيها هي تركيز تهديداته على الجوانب الفكرية والعقائدية والدينية والثقافية وما شاكل ذلك؛ ذلك أنّ مخططاتهم الاقتصادية لم تصل إلى نتيجة، وإن الأمور سارَت على عكس ما اشتهَت سفنُهم في الميدان العسكري أيضًا بعد أن كانوا واثقين من أنهم سيُركِعون إيران بما أُوتوا من تقنيات عسكرية متطورة، إذ قد سمعتم خطاب قائد الحرس الثوري اليوم حين قال بكل شجاعة وقوة ومَنَعة: "إن على كل من يَكيد لنظامنا الإسلامي ويُضمر له نيّة سوء أو يتخطّى خطوطنا الحُمر أن يتوقع نهايته!" فنحن نرى أنفسنا في مثل هذه القوة، وهو أن باستطاعتنا أن نواجه قوى العالم جميعًا ونحطّمها.

لكن ثمة خطَر لم يَيأس العدو منه إلى الآن وهو محاولتُهم، عبرَ ماكنتهم الإعلامية، إِبعاد جيلِ المستقبل عن هذا الإيمان وعن المعتقدات التي يحملها، وإنهائها بالكامل، وهي المعتقدات التي ترسّخَت في قلوب الجماهير وحلَّت محل رواسب الماضي بفعل الإمام الراحل (رضوان الله عليه) وأصحابه طيلة سني الثورة. بالطبع الطبقة الكَهلة، التي قضَّت ثلاثين أو أربعين عامًا من عمرها مع الثورة، أو تلك التي أدركَت – على أية حال - بعض الثمار الثقافية للثورة على مدى عَقد أو عَقدين من الزمن لا يؤَمِّل العدو منهم خيرًا، بل بات يركز نشاطاته بصور مختلفة على جيل المستقبل ويسعى لاجتذابه من خلال البرامج التي تُضَخ ليلَ نهار في أدمغة الشباب من مئات مراكز البث عبر الإعلام الافتراضي وشبكات التواصل، بمساعدة عملائهم ومعونة علماء النفس الذين يوجّهون في طبيعة المفاهيم، والأفلام، والأشعار، والمشاهِد التي يجسّدونها لهم لاجتذابهم نحوهم وإبعادهم عن القيم الإسلامية، وبالإفادة من خبراتهم، التي يقال إنها "خبرات علمية!" يحاولون حرمان جيل المستقبل من الإسلام ومعتقداته، التي هي منشأ جميع هذه البركات.

ودعونا نفترض أن هذا الرأي واحد من عدة آراء، وأن هذا هو أحد الأخطار. نعم البعض يرى أن هذا هو الخطر الرئيس، وما الأخطار الأخرى إلا مقدمة له، لكن دعونا نتنازل ونقول: لتكن المخاطر الاقتصادية والسياسية في محلها، وليكن هذا خطرًا ثقافيًّا إلى جانب تلك؛ وهو حرف شبابنا عن المعتقدات والقيم الإسلامية، ولا سيما ما يضُمّه مذهب أهل البيت (عليهم السلام)، حيث فيه نماذج من أمثال سيد الشهداء (عليه السلام) تجتذب الآخرين إليه.

فأشكال الحظر الاقتصادي، والقضايا السياسية الأخرى، وإيجاد الشحناء بين مسؤولي البلد، وبث الفُرقة بين الشعوب الإسلامية أو بين أطياف المجتمع الواحد، كل هذه أخطار سياسية، وهي تأتي جميعًا مقدمة لتحقُّق هذا الخطر، وهو شطب الإسلام من حياة المسلمين. فحتى لو لم نقل بأصالة هذا الأخير وأن مخططات الأعداء اليوم متركزة كلها على هذه النقطة، فلا بد أن نعلم – على أقل تقدير – أنه واحد من المخاطر. وأوضح مثال كامل على ذلك هو وسائل الإعلام الافتراضية وشبكات التواصل وأمثالها من الكتب والأفلام وغيرها التي تستهدف - بشكل من الأشكال - ثقافة الناس ومعتقداتهم. وهذا إنذار يكشف عن فداحة الخطر الذي نواجهه ومدى عظمته، ولو أننا أنفسَنا سَلِمنا منه، ولم يضعف ديننا، ولا تعطّلَت أحكامه، ولا تزعزعَت عقائدنا، فلا بد أنه سيشكّل خطرًا داهِمًا على أجيالنا القادمة.

الجامعيون والحوزويون هدف تهديدات العدو

مضت الآن على إطلاق سماحة الإمام الخميني (رضوان الله عليه) نهضته حوالي الخمسة أو الستة والخمسين عامًا، قضّى خلالها سماحتُه ما يقارب الخمس عشرة سنة في المنفى، وقد انقضى أربعون عامًا من انتصار الثورة ودخلنا عامها الحادي والأربعين، وبشكل أو بآخر تشاهَد خلال هذه السنين – مع الأسف – بعض نتائج نجاحات الأعداء في مقياس محدود جدًّا؛ فثمة هنا وهناك مؤشّرات تَشي بأن إعلامهم ودعايتهم لم تكن عديمة الجدوى، إذ قد تأثّرَ البعض بها. ولم يقتصر هذا الخطر على مراهقينا، الذين يسهرون أحيانًا لساعات متأخرة من الليل يتسلَّون بصفحات الإنترنيت على هواتفهم المحمولة حتى يغلبهم النعاس، بل قد ترك – بنحو من الأنحاء – بصماته على بعض الشخصيات ذات الشأن في داخل البلد، وبين أطياف الشعب المختلفة، بل على بعض أصحاب المناصب الحساسة أيضًا! وإن ما يزيد من أهمية هذه التهديدات وخطورتها بالنسبة إلينا هو أنه إذا كان أمثال هذه الشخصيات الأخيرة؛ بكل ما تحمله من سوابق، وما في جعبتها من معلومات وما اكتنزَته من تجارب وخبرات، قد وقعت فريسةً لهذه الأمور، فمن الواضح ما الذي سيكون مصير شبابنا ومراهقينا!

لكن ما يرتبط بنا وباجتماعنا هذا، وما يبدو لي أن من الأفضل طرحَه والكلامَ حوله بإيجاز، من بين كل ذلك، هو الخطر الذي يتهدد النُّخَب بشكل رئيس من جامعيين وحوزويين. فلو أفلح العدو في تحقيق نجاحٍ ما بين صفوف هاتين الشريحتين - اللتين تُعَدان، بنحو من الأنحاء، شريحة واحدة، يختلف أفرادها في فروع العلم الذي يطلبونه؛ فبعضٌ يدرس العلوم الدينية، والبعض الآخر سائر العلوم – فسيرتاح بال هذا العدو، وسيسعى إلى تنفيذ خططه بوتيرة أسرع وعلى نحو أفضل، بل سيعثر أيضًا على أيادٍ وأنصار سيساعدونه في المستقبل.

خطر فصل الدين عن مفاصل الحياة الرئيسة

من المواضيع التي أخذت تُتداول في أوساط مجتمعنا، ربما خلال العقد الأخير من الزمن، وتُطرح – بشكل من الأشكال – بصوَر شتى وعلى نحو أخف في الأوساط العلمية والجامعية على وجه الخصوص، هي أن المعمّمين وعلماء الدين، وعلى رأسهم الإمام الراحل (رضوان الله عليه)، هم رجالُ دين غاية مَهامّهم أن يوصوا الناس بالصلاة والصوم وإقامة المآتم على أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) وما شابه ذلك من أمور دينية، أمّا الدولة ومؤسساتها فيُديرها رجال العلم والسياسة.

والغالبية العظمى من أفراد الشعب أنفسهم هكذا يفكرون، فإن قيل "دين" انصرفَت أذهانهم إلى المسجد والحسينية ومجالس العزاء وشهر رمضان؛ أي إن تركيز الأعداء مُنصَب على النظرية المطروحة في العالم منذ مئات السنين، والقائلة بأن الدين منفصِل عن قضايا الحياة البشرية الأساسية، ولا يغطي إلا جانبًا ضيّقًا من الحياة؛ وهي النظرية التي يعبَّر عنها بالعلمانية؛ أي فصل الدين عن قضايا الحياة الـمُلِحّة، وهذا ما يبثّونه بصوَر شتى حتى بين أوساطنا نحن، وهم يحقّقون هنا وهناك بعض النجاحات بشكل أو بآخر. حتى أنتم، مع أنكم ما زلتم شُبّانًا، ربما تصادفون بعضًا من هذه الأمثلة بين الحين والآخر. وأريد هنا أن أضرب مثلًا له مصداق مفروض، لا يُفهم منه إهانة لأحدٍ ما: فربما صادفَ وأنتم تتحدثون إلى إمام مسجد في قرية ما أنكم ما إن تتطرقوا إلى شؤون الداخل السياسية أو تخوضوا في القضايا الدولية يسارع إلى القول: "يا أخي، هذه أحاديث أهل الدنيا، ولا ينبغي أن تشغلَنا غيرُ آخرتنا وديننا، انشغل بترديد الصلوات، ما لك وهذا الكلام؟!" وأَسألُ الله أن لا يكون هذا الأمر قد خرج عن نطاق القرى الصغيرة!

ولربما طُرح في الأوساط الجامعية والحوزوية في إطار علمي موضوعُ أنه: "أساسًا ما دَخل الدين بقضايا السياسة والاقتصاد وإدارة المجتمع؟ فالدين إنما جاء ليُعَرّف الناس بالله وباليوم الآخر، ويُرَغّبهم في الصلاة والصوم لله عز وجل ليدخلوا الجنة يوم القيامة، هذا هو الدين؛ إنه – على سبيل المثال - لا يقول لك أبدًا: كيف تدير صناعة كذا؟ أو: قُم بهذا الاكتشاف العلمي، أو: اكتشف الذرة، أو: كيف تدير حربًا ذرية؟ وما إلى ذلك، فلا شأن للدين بهذه الأمور، لأنها أمور دنيوية. فإن أحبَبنا أن نكون من المتدينين، فعلينا بالصلاة والصيام، وعلينا نحن الشيعة بإقامة العزاء على سيد الشهداء (عليه السلام)، هذا ما يأمرنا به الدين." ثم يُصار إلى طرح هذه المسائل في قاعات الدرس الجامعية، والمجلات التي تخاطب المثقفين والجامعيين، ولربما الحوزويين أحيانًا، في إطارِ قضيةٍ جادّةٍ وحساسة، من أنه: ما علاقة الدين بهذه القضايا أصلًا؟! فالإمام الخميني (رحمه الله) أطلقَ، من باب الصدفة، حركةً صادفَ أن تكون في زمنٍ يعيش المجتمع حالةً متأزِّمة، فطرحَ الإسلامَ وسيلةً لمقارعة الشاه والنظام البهلوي من شدة ما مارسَه في حق الشعب الإيراني من ظلم وجور، مخاطبًا الجماهير أن تعالوا والتَفّوا حول راية الإسلام وأَسقِطوا هذا النظام. فهذه – في الواقع – كانت حنكةً من الإمام الراحل، وإلا فما شأن الإسلام بالشاه والحُكم وهذه القضايا؟! فإن لم يُعجِبكم الشاه فأَسقطوه وَأتوا بشخص آخر محله، وهذا لا يعني أن يتسلّم عالِمُ دين مقاليدَ الحكم وإدارة البلد، لكنّ هذا حصلَ على أية حال، كان حظ السيد الإمام (رحمه الله) ونجح في نهاية الأمر، وتعلّقَ الناس به كلّ تعلُّق، فقالوا له: الحُكم والدولة لك! فتولّى سماحتُه مقاليد الحكم على أية حال، وشكّل مجلس خبراء الدستور، ثم وضعَ دستورًا. ثم ما دام سماحتُه على قيد الحياة كانت الأمور – بنحو من الأنحاء - تجري تحت إشرافه؛ فحين كان السيد الإمام (رحمه الله) يصدر أمرًا ما كان أحد يجرؤ على مخالفته، كانت سلطةً استمدّها سماحته من لطف الله عز وجل، وإلا فما شأن الدين بهذه المسائل؟! فلقد كان الإمام الخميني (رحمه الله) فقيهًا، وشُغل الفقيه هو الحلال والحرام والواجب والمستحب والنجاسة والطهارة وما شاكَل، وكذا أن يؤلّف رسالةً عملية يحدّد فيها الأحوط والأقوى، فهذه أيضًا من مهام الفقيه، أما أن يكون هناك دستور، وفيه مواد، وأنه كيف يُدار البلد؟ وكيف تكون السلطات الثلاثة؟ وما إلى ذلك، فما شأن الدين بهذه الأشياء؟! أما الآن فقد مضى عصر الإمام الخميني (قدس سره) ثم بعد وفاة سماحته انقضَت العقود الثلاث التي ظلَّت فيها رواسبُ شخصيته عالقةً بتلامذته وأتباعه، والآن انتهى كل شيء، فلنَعُد أدراجَنا ولنفصل الدين من جديد عن شؤون الحياة الدنيا؛ ليكن الدين في المدارس لفقهائنا وعظمائنا وأمثالهم، وليَجنوا من جهودهم التي يبذلونها ثوابًا في الآخرة، أما شؤون الحكم وإدارة البلاد، والعلم والتكنولوجيا، وتطور الصناعة وتقدّم الاقتصاد فلا صلة لها بالدين، بل إنّ لها رجالها، وإن علينا الرجوع إليهم لينهضوا بمهامّهم في هذا المجال. نعم، لأنّ الأخيرين مسلمين، فلا بد لهم أن يُوَقّروا العلماء والفقهاء، وأن يقتنوا رسائلهم العملية ويعملوا بموجبها فيما يتصل بشؤونهم الفردية، لكن لا علاقة بين هذا وذاك.

لنأخذ خطر العلمانية على مَحمَل الجِد

لربما سمعتم عن بعض الأساتذة، في بعض قاعات الدرس، في بعض الجامعات (وأنا أكرر قيدَ «بعض» ليكون كلامي صحيحًا حتى إن وُجد مثال واحد على كل ما أقول) أنه يطرحَ أثناء الدرس، وبكل صراحة، قضيةَ أن هذه العلوم التي في متناول أيدينا لا صلة لها أبدًا بالدين، فالعلم عِلم وله موضوعه ومنهجيته ورجاله الذين يعملون عليه، وهناك نظريات شتى؛ فهذا يرى رأيًا وذاك يرى رأيًا آخرَ، أما قضية أنه: ما الذي يقوله القرآن، وماذا يرى الإسلام في ذلك؟ فما شأن الإسلام بكل هذا؟! وليست العلوم الطبيعية فقط لا علاقة لها بالدين، مثل الفيزياء والكيمياء وعلم الأحياء، بل إن العلوم الإنسانية، التي تهتم بسلوك الإنسان، هي الأخرى لا علاقة لها بالدين، والمثال الواضح على ذلك هو علم النفس وعلم الاجتماع. فعلم النفس مثلًا، الذي هو أحد محاور العلوم الإنسانية، له موضوعه الخاص وأساليبه الخاصة وعلماؤه الخاصين، ولم يَرِد أيٌّ من مباحثه في القرآن الكريم، وليس لمباحثه تلك أي شأن بالقرآن أصلًا. إنه علم، وكما أنّ علماء الدين لا يخوضون في أمور الذَرّة، وأنه كم لدينا من أنواع العناصر الأساسية، أقل من مئة أو أكثر، وأن هذا الأمر متروك لعلماء الطبيعيات ولا شأن له بالدين. أو ما الأثر الذي تتركه التراكيب الكيمياوية؟ فلا شأن للدين بذلك أيضًا، لا نفيًا ولا إثباتًا، وأن له علماؤه الخاصين، فإن علم النفس أيضًا كذلك؛ فثمة موضوعٌ يُحدَّد ويبحث فيه جماعة، وهناك آراء شتى حوله؛ فهذا يُثبت وذاك ينفي، لكنه – على أية حال – لا يرتبط بالدين لا من قريب ولا من بعيد.

النموذج الآخر، الذي يُعد من النماذج البارزة للعلوم الإنسانية، هو علم الاجتماع بفروعه المختلفة، التي منها علم السُكان والأنثروبولوجية وغيرهما من فروع علم الاجتماع الخاصة. وهذا الموضوع يُطرح ويُناقش بكل جدية، وقد تُكتَب فيه المقالات وتُلقى الخطب. المسلمون عند سماع ذلك يَبتَئسون قليلًا في بادئ الأمر، ثم يقولون في ذات أنفسهم: إنهم على حق، فليس لدينا ما نقوله في هذا المجال، فما شأن الدين بهذه القضايا؟!

هذه هي القضية التي نشكو منها اليوم بصفتها القضية الـمُلِحّة الأُم بين قضايانا الثقافية، والتي إن لم تُعالج فسيبقى أطفالها مشوَّهين، وحينذاك لن نستطيع أن نُدلي بدَلونا ويكون لنا قولٌ قاطع مئة بالمئة في أي فرع من فروع المعرفة، كل ذلك يعود إلى إشكالية ما إذا كان لهذه الأمور صلة بالدين أم لا. فإن قلت: "قضيةُ كذا التي يطرحها عالم النفس الفلاني لا تنسجم مع القرآن الكريم،" قيل لك على الفور: "وما شأن القرآن بهذه الأمور أساسًا؟!"

هذه هي القضية الأم، وإن على شخصيات الحوزة العلمية البارزة أن يعالجوها؛ بأن يَصِلوا هم أوّلًا إلى رأي حاسم في الموضوع، ثم يحاولوا نشر هذا الأمر بين الناس ليُصبح جزءًا من ثقافة المجتمع العامة كي لا يجرؤ أحد على التشكيك في قضية ما إذا كان للدين علاقة بقضايا الدنيا، والعيش، والعلم، والصناعة أم لا.

غرضي من كل ما قلتُه الآن هو لأنبهكم، أيها الأعزة، يا أمل مستقبل هذا البلد والثورة وأنصار صاحب الزمان (عجّل الله تعالى فرَجه الشريف) في قادم الأيام إن شاء الله ومَن يجب أن يُعِد نفسَه لظهوره - أُنبّهكم إلى أن تُعيروا اهتمامًا أكبر لمسألة: أن هذه العلوم التي تُدرَّس في جامعاتنا وتطبَّق على صعيد العالم، ما علاقتها بالدين؟

وسأحاول هنا طرح بعض المباحث بصورة رؤوس أقلام للشباب الذين سيصبحون – إن شاء الله – مفخرة البلد في المستقبل، وسيَمضون في هذا الطريق ليُتحِفوا المجتمع والثورة الإسلاميَّين بهذه التحفة.

تحليل حول المقولات العلمية والقِيَمية

لدينا ثلاث مقولات ربما يكون لها وجوهُ اشتراك بين العلم والدين، بل ربما تمثل نقطة تلاقٍ بينهما. وهذه المقولات الثلاثة هي – بمعنى من المعاني – أركان هوية الإنسان. وسأتناول بصورة رؤوس أقلام فيما إذا كان للعلم والدين شأنٌ بهذه المقولات الثلاثة، فلربما تكون إحداها خاصة بالعلم، والأخرى بالدين، أو تكون ثلاثتها خاصة بالعلم ولا شأن لها بالدين.

فهناك مقولة تتمثل في أن الإنسان يُدرك أمورًا، ويعرفها، ويكسب فيها علمًا، ويصبح عالمـًا، وهي مقولة العلم والمعرفة والإدراك. وسأطرح ثلاثة مفاهيم على أنها مترادفة قد يكون كل واحد منها أقرب إلى فَهْم البعض. فلتتبيَّن أولًا أمورٌ مثل: ما هو العلم البشري؟ وكيف يظهر؟ وإلى أي مدًى يتّسع؟ وبماذا يتكامل؟ وسنرى بعد ذلك ما إذا كان للدين ارتباط بها أم لا.

المقولة الثانية هي غير هذه الإدراكات. فالأولى هي مقولة "العلم"، أما هذه فمقولة "القيمة"؛ فثمّةَ في المجتمعات المختلفة أشياء ذات قيمة عند أفراد ذلك المجتمع ويحبونها، ويمتدحون مَن يمتلكها، ويعارضون ويكرهون مَن لا يحملها. وهذه الأشياء ليست من مقولات العلوم الطبيعية ولا هي تَثبُت بالطرق التجريبية. وإن الناس جميعًا يُقِرّون - بنحوٍ من الأنحاء – بعضًا من جوانب هذه الأمور، حتى وإن لم يكن الأكثرية ملتزمين بها. على سبيل المثال: الناس جميعًا يُقرّون – بشكل من الأشكال – بأن الظلم شيء سيئ. لكن: ما هو الظلم؟ وأي مقولةٍ هو؟ وما إذا كان لا بد من اكتشافه في المختبر، أو ينبغي زراعته لينبُت، وهل يجب أن ينزل من العرش؟ بل ما هو العدل والظلم أصلًا؟ فإنه مفهوم قِيَمِيّ، ويتعذَّر إخضاعه للتجربة في المختبر لنكتشف ما إذا كان موجودًا أو معدومًا، أو لنعلم ما هو العدل، وما هو الظلم؟

المثال البسيط لذلك، الذي نعيشه ونعرفه جميعًا، هو أنه عادةً ما يكون لكل قوم أمورٌ يرونها مقدسة وذات قيمة وهم مقيَّدون بحفظها. أفراد كثيرون من شعوب البلدان الواسعة التي يزيد سكانها على المليار نسَمة يهتمون جدًّا بزيّهم، ويحاولون جاهدين المحافظة عليه ويَعُدّونه زيًّا وطنيًّا. فشعوب بلدانِ جوارنا مثل الهند وباكستان لها أزياؤها الخاصة، وتتألف من بنطال فضفاض وصُدرَة، وهو زِيّ يعتقد به أهل تلك البلدان، وإن شخصياتهم الكبيرة، التي تأتي في المقدمة ضمن شخصيات العالم وتشارك في المحافل الدولية، تحاول الحفاظ على زيّها الخاص هذا. كما أن "الساري" الذي تُلقيه نساؤهم على رؤوسهن يُعَد زيّهن الوطني وذا قيمة كبرى عندهن. لكنّ شعبَ بلدٍ آخر لا يرى لهذا الزي من قيمة. وهذه الأمور يُقال إنها تصنَّف ضمن مقولة "القيمة"؛ فقومٌ يعُدون شيئًا ما ذا قيمة في حين لا يرى قوم آخرون للشيء نفسه أيَّ قيمة. فهذا الطراز من اللباس بالذات مُهم جدًّا لأولئك، ولا فرق عندهم فيما إذا كان رقيقًا أو سميكًا أو جميلًا أو قبيحًا. هذا المفهوم ليس علميًّا، فهو ليس مما يمكن إثباته أو نَفيه من خلال علمٍ أو أساليبَ علمية أو فلسفية. فالناس يعُدّونه زيّهُم الوطني وهم يحبونه ومتعلّقون به، وإن حب التقاليد الوطنية والقومية والتقيُّد بها هو قيمةٌ من القيم، وهو مقولة تختلف عن مقولة العلم والمعرفة، فهذه الأخيرة نسمّيها "مقولة العلم"، وتلك "مقولة القيمة". وإن لكل واحدة منها فروعًا تُبحَث في مجالاتها الخاصة؛ فالأزياء والعادات والتقاليد، على أقل تقدير، تُبحث في الأنثروبولوجيا، التي هي من فروع علم الاجتماع؛ وهو أنه ما الزي الذي يرتديه كل شعب؟ وبماذا يعتقد أفراد هذا الشعب؟ ومتى ظهر هذا الزي وكيف؟ فهذه أمور تُدرَس في الأنثروبولوجيا، لكن هذا الأخير ليس بعلم في واقع الأمر، فليس الغرض منه إثباتَ ما إذا كان هذا الأمر صائبًا أم خاطئًا. نعم قد يقول البعض إنه قبيح أو جميل، أو حسَن أو سيئ، لكن التعبير بلفظة "الصائب" أو "الخاطئ" ليس بالتعبير الصحيح في المفاهيم القِيَمية. نعم إنه صحيح في المقولات العلمية؛ فهناك يُقال ما إذا كانت النظرية العلمية صحيحة أم خاطئة، ولا يقال إنها جميلة أو قبيحة. فالمفاهيم الشائعة في المقولات القِيَمة هي القبيح والجميل والجيّد والرديء، أما في مقولات العلم والمعرفة فالمؤشِّر فيها هو الصواب والخطأ، أو الصحة والفساد.

أهمية معرفة المنهجية البحثية في العلوم

بعد أن يُعرَّف علمٌ ما بموضوعٍ ما – سواء في العلوم الإنسانية أو التجريبية أو الرياضية أو الدينية – ويراد البحث في مجاله يَصل الدور إلى أنه: بأي طريقة ينبغي البحث، أو لنقل: ما هي منهجية البحث في هذا العلم؟

فعلم المنهج أو الميثودولوجيا هو اليوم علم بحد ذاته، بل أحد العلوم المتقدّمة في العالم؛ فهناك مَن يحصل على شهادة الدكتوراه في هذا العلم ليقرر كيف يتسنى البحث في كل علم أو قضية علمية وما هي منهجية البحث فيهما؟ وهذا العلم بحد ذاته هو واحد من فروع العلوم الإنسانية أيضًا؛ فلا بد – على أية حال – إذا أردنا البحث في أي علم، من أي فرع من فروع المعرفة، أن نعرف المنهجية الواجب اتّباعها في البحث لكي نصل إلى النتائج السليمة، من حيث كونها معرفة؛ نعم ربما يكون موضوع هذه المعرفة قيمةً ما؛ كمعرفة القيم المتصلة بالناس، مثل التاريخ؛ فهنا لا نريد القول: هذا صائب أو خاطئ، بل نقول: هذا كان تاريخُ شعب هذه المنطقة، ومنذ أي زمان ظهر؟ فموضوع البحث هنا ليس أمرًا علميًّا، بل هو أمر عيني إنساني على مدى زمان معيّن.

ضرورة الالتفات إلى هدف كل علم

المسألة الأخرى التي ينبغي معرفتها بخصوص كل علم هي: ما هدف هذا العلم؟ ماذا سيحصل إن درسناه؟ فلو قيل "اقتصاد" فما هو الهدف منه؟ الهدف منه هو أن نتعلم ماذا نصنع لنُنَمي رأسمالنا، ونرفّه أكثر عن شعبنا، ونزيد دَخلَهم، ونقلل خسائرهم، ...إلخ. فالمرجُوّ من علم الاقتصاد هو النفع المادي والمالي من علمٍ ما.

وما هو علم النفس؟ إنه يبحث في سلامة النفس؛ فهدفه إذًا هو تحقُّق الصحة النفسية للإنسان، بغض النظر الآن عن تعريف هذه الصحة، وكيف يتسنّى اكتسابها؟ وكذا الحال في سائر فروع العلم، فهناك هدف يحدَّد للعلم. ولو كان هناك في الدين علم أيضًا فلا بد من وجود منهجية تُتَّبع للبحث فيه لمعرفة المرجُوّ منه.

فضل العلوم الدينية على سائر العلوم

جميع العلوم تقريبًا التي لها عمومية بين الناس، أي التي ليست حكرًا على بلد خاص أو عِرق محدد أو قوم معيَّنين، تستهدف في النهاية طائفة من المنافع والمصالح التي تُورِث الناسَ اللذّة والسعادة. صحيح أنهم يَتَّجرون، ويتعلمون سبُل التكسُّب ازديادًا في الرزق والدَخل المالي، لكن ماذا يريدون أن يصنعوا بالدَخل؟ يريدون أن يُلَبّوا حاجياتهم، ويُنفقوا هذا المال فيما يكون فيه لذةٌ أكبر وحياةٌ أهنأ ورفاهيةٌ أوسع. حتى متى؟ حتى ساعة الموت.

وإن من أقدس العلوم التي تحترمها الشعوب جميعًا هو علم الطب، وإن الجميع بحاجة إلى الطبيب. فترى الطبيب ينهمك في الدراسة والمثابرة لسنين، ثم يدرس الاختصاص ويجتاز الفروع التخصصية ويقوم بالأبحاث الطبية من أجل أن يكون طبيبًا بارزًا يطمئن له الناس، بارعًا في علاج المرضى. وما النتيجة المرجُوّة من ذلك؟ هي أن يَصِحّ المرضى. وماذا يحصل إذا صَحّوا؟ سيعيشون – مثلًا - عشرة أعوام إضافية يكونون فيها أكثر راحة. ثم ماذا؟ حتى متى؟ حتى ساعة الموت؛ فالناس جميعًا يموتون في النهاية، وما من طبيب يستطيع أن يمنع الموت نهائيًّا، غاية ما في الأمر أن المريض يمتد عمره لبضعِ سنين أُخر. فالنتائج المنشودة من هذا العلم إذًا هي النفع العائد على الإنسان قبل الموت. ولو تقصّيتم العلوم الأخرى فستصلون في النهاية إلى النتيجة ذاتها؛ وهي الراحة، والطمأنينة، وإثراء الرغبات البشرية. هكذا هي هذه العلوم، لكن ثمة علوم يقول حمَلَتُها ودارسوها إن نتائجها لا تقتصر على زمان ما قبل الموت وحسب، بل إن كل هذه هي ممهِّدات، وإن نتائجها الأصلية تبدأ بعد الموت. إلى متى؟ إلى ما لانهاية؛ (خالِدينَ فيها أَبَدًا).[3] يَدّعي هؤلاء أن العلم الذي يحملونه له مثل هذه الثمار. فمهما ازدادت فوائد العلوم الأخرى فهي تنتهي لحظةَ فراق الدنيا ويغلَق ملفّها، أما ثمار تلك فإنها تبدأ للتَوّ من ساعة موت الإنسان! يعتقد حملة هذه العلوم – وأسأل الله أن نحمل نحن أيضًا مثل هذه العقيدة، وأن تَظهر في أعمالنا - أن هذه الحياة التي تستغرق سبعين أو ثمانين أو مئة عام، أو لنقل ألف عام، هي مرحلة جنينية؛ فإننا نمر في مرحلة جنينية في بطن الأم تستغرق تسعة أشهر بحسب مقتضى القوانين الطبيعية. ثم بعد أن نولَد في هذه الدنيا تتمهَّد الأرضية لنا لنختار طريق حياتنا بأنفسنا ونصبو إلى قِيَم ومُثُل ونصل إلى معتقدات نؤمن من خلالها بأن ظهور هذه المثُل بشكل أساسي يكون بعد الموت إلى ما لانهاية، أي إنها لا تنفد على الإطلاق. وبحسب المصطلح الدارج: ما دام الله إِلهًا فإن هذه القيم ومنافعها قائمة. نقول: هذه الأشياء تتصل بـ"الدين" وما من علم آخر يمتلك هذه الخاصية.

أهمية البحث الديني وضرورته

علينا أولًا أن نرى من أي مقولة هو الدين؟ أهو علم، أم قيمة؟ أم إنه مجرد مجعولات اعتبارية؛ وهو أنّ جماعةً من الناس توافَقوا فيما بينهم على أن يجعلوا فلانًا رئيسًا، وعلّانًا مرؤوسًا، وهذا كذا، وذاك كَيت وكيت، وما إن يخرجوا من هذه الدائرة لا يعود أحدُهم يعرف الآخر ولا يبقى لشيء من قيمة ما، فهي مجرد مجعولات اعتبارية جعلوها بأنفسهم! فأي من هذه المقولات هو الدين؟

الدين يقدّم حقيقةً لا بد من معرفتها، ثم الاعتقاد بها، ويطرح قِيَمًا ومُثُلًا يجب التعلُّق بها بالقلب، فإن حمَلنا هذه المعتقدات وقَبِلنا هذه القيَم، ومن ثم تبلورَ سلوكُنا على أساسٍ من هذه المعتقدات والقيم، فسننال – حقًّا - ما لا نهاية له من السعادة، إذ إنها ستترتب عليها، بل هي نتيجتها الطبيعية؛ (جَزاءً بِما كانوا يَعمَلون).[4] أيُّ مقولةٍ هو هذا الدين؟

إذًا علينا أولًا أن نحدد أنه أيُّ مقولة هو الدين؟ ثم إذا عرفنا أنه حقًّا علم لا بد من تعلّمه وله منافع يمكن اكتسابها فإن من الحَرِيّ بالإنسان أن يتعلّق به كل تعلُّق، ويسعى في طلبه، فعبارة "ما لانهاية" ليست مزاحًا أو شيئًا يُتغاضَى عنه، والمالانهاية لا يمكن أن يقاس بأي شيء آخر. عند ذاك يأتي الدور إلى أنه: أيّ جزء من هذا العلم نختار؟ وبأي أسلوب ومنهجية نبحثه؟ وإنْ أبدَيْنا هنا تقاعسًا وغَفلة واكتفينا بالتقليد المحض فلربما سنندم يومًا ما. فلا بد لهذه القضية أن تتضح لنا، وهي ما إذا كان الدين – في واقع الأمر – حقيقةً من الحقائق، أم مجرد جَعْلٍ اعتباري؛ كالراية الحمراء أو الخضراء أو البيضاء التي يتخذها قومٌ لأنفسهم، فهي لا تُجدي أحدًا نفعًا خارج الإطار الذي اعتُبرَت فيه، أو كالعادات والتقاليد التي لا حاصل لها غير إعجاب أهلها بها. علينا أن ندرك ما إذا كان الدين عبارةً عن مجموعة من الاعتبارات عديمة المحتوى أم إنه حقائق يتعيّن معرفتها أوّلًا؟ وإن الخشية أن نخلط بين هذه الحقائق وبين ما هو ضدّها أو منافٍ لها!

إذًا علينا أولًا أن ندرك أنه: ما هي هذه الحقيقة؟ هذا فيما يخص الإدراك. ثم إن هذه الإدراكات تُوصِلنا إلى طائفة من القِيَم والـمُثُل؛ توصِلنا إلى أن بعض الأشياء قبيح وبعضها حسَن، وبعض الأمور جيد وبعضها سيّئ، لكن ليس من قبيل الجيد والسيئ الذي يندرج في خانة الاعتبارات الاجتماعية، بل الجيد والسيئ الذي ينشأ من تلك الحقائق ذاتها، والذي يُورِث العملُ بموجبه منافعَ أيضًا؛ أي يعود على صاحبه بنتائج حقيقية محبَّذة، لا مثل المنافع التي غاية ما ترافق الإنسان إلى شفير القبر، بل تلك التي تُؤتي ثمارَها الحقيقية بعد عالم الدنيا؛ فمنافعها في هذا العالم لا تتعدّى كونها نتائج تمهيدية وفرعية وجانبية لتلك، أما أهدافها الأساسية فتظهر في العالم الأبدي. فإن كان هناك عِلم أو معرفة من هذا القبيل فبأيٍّ من المعارف البشرية الأخرى يمكن قياسه؟!

ونحمد الله تعالى على أننا جميعًا معتقدون بأن هناك حقائق؛ وأن الدين يبدأ من معرفة الله؛ وهو أن الله تعالى هو حقيقةٌ فوق الحقائق جميعًا، وأنه ما من شيء آخر له نصيب من الحقيقة إلا وقد تلقّى هذا النصيب بلُطف من الباري تعالى، فهو عنده مُستعار أما الأصل فعند الله، فالله عز وجل حقيقةٌ لا تُقاس بأي حقيقة أخرى. كما أن العمل بالدين يجلب لصاحبه مصالحَ ليست من تلك المصالح المحدودة التي ترافق المرء عشرين أو ثلاثين سنة ثم تفارقه عند نزوله في قبره، بل تستمر معه إلى ما لانهاية.

أما فيما يتصل بمنهجية البحث في ذلك فلعلكم تعلمون أن أربابَ بعضِ المذاهب المتوسطة من بين مذاهب نظريات المعرفة الموجودة في عالم اليوم يعتقدون بأننا لا نملك أصلًا علمًا حقيقيًّا بأي شيء. فالشَكّاكون السابقون يقولون بأنه يتعذر على الإنسان بالمرّة أن يكسب علمًا حقيقيًّا. ولندع هؤلاء جانبًا، إذ إنه ثمة آخرون يذهبون إلى أن غاية جميع الإدراكات التي تحصل لدينا تعود إلى إدراكات حسية؛ كأن نلتذ إذا أصابت حاسة ذوقنا حلاوة، أو شممنا بحاسة شمّنا رائحة طيبة، أو لامسَت حاسة لمسنا شيئًا ناعمًا مطلوبًا، ..إلخ، وإن سائر الأشياء هي وسائط تُوصِلنا في النهاية إلى تلك الإدراكات. هذا مذهب من المذاهب. ولذا يصل هؤلاء، فيما يتصل بمنهجية البحث العلمية، إلى نتيجة مفادها أن أفضل منهج للبحث هو منهج الإدراك الحسي، وهو أن تكون النتائج محسوسة؛ أي أن يمكن رؤيتها ولمسها لنعلم إن كانت صائبة أم خاطئة. فالصائب هو كل ما نناله بمجرد أن يعجبنا ذلك. إذًا موضوع العلم عند هؤلاء هو الأشياء المدرَكَة بالحواس، عندهم هذا هو العلم الحقيقي وحسب! أما سائر الأشياء فليس العلم بها هو علمًا حقيقيًّا. وهذه هي الفلسفة الوضعية التي تتأثر بها، بنحو من الأنحاء، جميع مذاهب نظريات المعرفة المعاصرة تقريبًا. غاية ما يمكن أن يقوله هؤلاء هو: "طيب، هذه عقائد شخصية لا أهمية لها، فالأذواق تختلف، وكل ما يحبه أيُّ امرئٍ فهو حسَن؛ فهذا يحب التوحيد، وذاك يفضّل التثليث، وكلاهما حسَن، إذ إن لكل امرئ ما أحب؛ يعني ليس هناك حقيقة ثابتة، وإنما يعتمد الأمر على ما تحبه أنت.

نقد التعددية الدينية

تقول النزعة التعددية، التي حصدَت لنفسها على مستوى العالم أنصارًا أشدّاء حتى بين صفوف المتدينين وأصحاب الديانات السماوية - تقول: الحقيقة النهائية واحدة لكنّ الطرُق إليها شتى؛ فإن عملتَ أنت بالإسلام وسلكتَ طريقه فستصل إلى هذه الحقيقة، ونحن أصحاب الديانة النصرانية نصل أيضًا إلى الحقيقة ذاتها، بل لو كنتَ زرادشتيًّا فستصل إلى الحقيقة عينها كذلك. فهذه الطرق جميعًا هي - بمعنى من المعاني - صحيحة ولا بأس باتّباعها جميعًا أو اتّباع أي منها.

وهنا لا بد أن نعلم: هل حقًّا هذا صحيح؟! أحقًّا إن القضايا الدينية أمور ذوقية وأن لكل امرئ أن يختار ما يحلو له منها؟! كما لو أحب أحد اللون الوردي وأُعجب آخرُ باللون الأخضر، فليس لنا أن نعترض على الأخير قائلين: ما بالُك تُحب اللون الأخضر؟! إذ سيقول: يعجبني. ولا أن نقول للأول: لماذا تحب اللون الوردي؟ إذ سيعترض قائلًا: لماذا؟! لا تحتاج إلى لماذا! لأنه يعجبني.

وأقول بين هلالين: يروَّج اليوم في جميع أقطار العالم لثقافة إلحادية تقول: "المهم هو ما يهوى الإنسان، بل في عملية تربية الطفل أيضًا ما إن يقول طفلُك: أحب كذا، فاصمُت أنت ولا تتدخل، دعه يفعل ما يشاء." وإن من المبادئ التربوية المتّبَعة اليوم بكثرة في مناهج تربية الأطفال حتى في البلدان الإسلامية هي أن يُترك الطفل وشأنه ليفعل ما يحلو له. فإن سألتَه عن سبب ما يفعل، فأجاب: يعجبني ذلك، فقد انتهى الأمر ولا يجوز لك أن تَنبُس بعدها بكلمة؛ إن كنتَ تحب ذلك فافعله! فإن بلَغوا سن المراهقة، وقيل للمراهق: لماذا ذهبت إلى المكان الفلاني أو فعلت كذا؟ يجيب: أوَدّ ذلك. لماذا ذهبتَ إلى دار السينما الفلاني لمشاهدة هذا الفلم؟ يقول: يعجبني. حسنٌ، يعجبك! لا شيء. يعني أن المرء يفتش فقط عما يُعجبه وتهواه نفسه، وهي أمور مختلفة، وقد تكون متضادّة أيضًا، لكن هكذا هو الأمر في النهاية. يقولون: "إنما خُلقنا لنهوى شيئًا فنطلبه حتى نناله. والدين أيضًا هو هكذا، إنه أمر ذوقي؛ فهذا يحب أن يعتنق الإسلام، وذاك الزرادشتية، فلينتهج هذا طريقَه وليتّخذ ذاك طريقَه. نعم، قد يقال في حيز التفاعل المجتمعي: لا بد من مداراة الآخرين والتركيز على القواسم المشتركة وأوجُه الوفاق بين أطياف المجتمع المختلفة، فهذا موضوع آخر، أما فيما يتصل بماهية الحقيقة، وأنه ما هو الصواب والخطأ؟ فتراه يقول: "الكل جيد، والكل صائب."

يتعين علينا في مثل هذه القضايا أن نصل إلى صيغةِ حَل مُقنِعة ومنطقية بالنسبة إلى أنفسنا أولًا، والأهَم بالنسبة إلى الأجيال القادمة. ولو سألتَ أكثر أصحاب الديانات المختلفة (ولا أُسَمّي دينًا أو بلدًا بعينه) أنه: لماذا اخترتَ هذا الدين؟ فسيجيب: "كان والِداي يَدينان به، فصرتُ أنا كذلك؛ توجَّهَ هذا إلى الكنيسة وقصدَ ذاك المسجد، وذهب فلان إلى مكانِ كذا، ونحن أيضًا هكذا، فلا يملك المرء أمرَ نفسه، إنه عامل تربوي وأُسَري، وهذه هي نتائجه." لكن هل الأديان جميعًا هكذا؟ أيُقِر الإسلام أيضًا هذا الأمر؛ وهو أن تخضع لكل ما تفرضه عليك بيئة المنزل أو المدرسة أو البلد، أم إنه يعارض ذلك؟ وهل مَنطِقه هو: إذا قيل لهم لماذا تعبدون هذه الأوثان قالوا: (إِنَّا وَجَدنا آباءَنا عَلى‏ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى‏ آثارِهِمْ مُقْتَدُون)[5]؟ أهذا هو النهج؟! أهكذا يجب التعاطي مع الدين؟! وهو أن نقنع بكل ما تفرضه علينا بيئتُنا ضمن الأسرة أو المدرسة أو البلد، أم أنّ الأمر يفوق ذلك، وهو أن تكون في أيدينا حجة قاطعة نَطمَئِن من أنها لن تتغير أبدًا، وأننا نكون قد بلَغنا هذه الحقيقة الواقعية النفس أمرية. فإن كان الأمر كذلك فلا بد أن ننظر أنه: في أي القضايا علينا أن نبحث بهذه المنهجية؟

أفصل سبيل لمعرفة الدين

جميعنا تقريبًا على اطّلاع بأن الدين ينقسم إلى ثلاثة أقسام؛ هي: المعتقَدات، والأخلاق والـمُثُل، والأحكام العملية. وحين نقول: لا بد من البحث في الدين، فيعني البحث في هذه الأقسام الثلاث. لكن أيٌّ منها هو القسم الأم؟ القسم الأم هو العقائد، فهي أصل الدين؛ (...كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصلُها ثابِتٌ وَفَرعُها في السَّماء[6] ولا بد من حفظ الأصل أولًا ليكتسب الثبات، فهو إنْ تزعزع فسيكون: (كَشَجَرَةٍ خَبيثَةٍ اجْتُثَّت مِن فَوقِ الأَرضِ ما لَها مِن قَرار[7] تراه اليوم في هذا الجانب وغدًا في الجانب الآخر. وتلاحظون اليوم أن الجيل المعاصر يمتاز على أسلافه من الأجيال بميزة وهي أن الأطفال الصغار منذ نعومة أظفارهم يريدون معرفة كل شيء من خلال سببه وعِلّته، وهذا من الألطاف الإلهية؛ إنها حالة من النضج العام نشأت في الناس، وإنه ليتوجَّب علينا أن نُلَبي احتياجات هذه الفطرة الإلهية. علينا أولًا أن نشتغل على العقائد، فنعمل على تبيين العقائد الصحيحة بأدلّتها المتقَنة غير القابلة للتشكيك، بأن نعتقد بها نحن أولًا ثم نهيّئ الأرضيةَ لإيمان الآخرين بها أيضًا. ومن ثم نبيّن القيم والمثُل التي تنبُت من هذه العقائد، فإنها أغصان هذه الشجرة، وهي إن يَبِسَت وقُطِّعَت ولم تَنمُ بشكل كافٍ فلن تعطي هذه الشجرة ثمارًا. ومن ثم يأتي الدور إلى أوراق هذه الشجرة وثمارها الحلوة اليانعة والنتائج المستحصَلة من هذه الثمار، حيث نعتقد أن نتائجها ستستمر إلى أبد الآبدين ما دامَت أصول الشجرة وجذورها حية وموجودة.

الخطر الذي يهدد أجيال المستقبل

المسؤولية التي في أعناقنا اليوم هي إزاء جيل المستقبل، ومع أننا نحن أيضًا هكذا – إلى حدّ ما – لكن الخطر الأكبر يتهدَّد أجيال المستقبل؛ فإن عقائدهم عرضَةٌ للمخاطر بسبب التشكيكات التي تُضَخ باستمرار عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وما يؤلَّف من الكتب، مضافًا إلى المباحث التي تُطرح أحيانًا في قاعات الدرس الجامعية مع شديد الأسف. فهذه الجذور والأصول تأتي بالدرجة الأولى؛ (أصلها ثابت). ومن ثم القيم والمثُل التي تنبثق منها. وإن النسبة بين هذه الأصول وبين السلوكيات والمثُل ليست نسبة واحدة؛ فتناسب الاعتقاد بوحدانية الله تعالى مع الظلم والعدل ليس سواء، كما أنه لا يساوي نسبته إلى الرأفة والرحمة بعباد الله. وإن التوحيد وعبادة الله لا ينسجمان مع إلقاء قنبلة ذَرية على آلاف البشر وإبادتهم جميعًا من أجل بعض المصالح المادية العابرة، بل القيم المتناسبة مع تلك الأصول. ثم إن علينا أن نعرف هذه القيم والمثُل، ومن ثم نطبّقها ضمن منهاج عملي تنفيذي على صعيد حياتنا الفردية والاجتماعية على حد سواء.

واجب هداية الناس ومَد يد المساعدة إليهم

أردتُ بذلك تذكير الشباب الذين هم أمل مستقبلنا، والذين يلتهب روح البحث ودوافعه في أنفسهم، والراغبين في إدراك الحقائق على نحو أفضل، ومعرفة المعتقدات المرتبطة بها، والمحبين لضبط سلوكهم على أساسٍ منها، بل - أعلى من ذلك - الذين يشعرون بالمسؤولية تجاه الآخرين، فلا يفكرون في أنفسهم فحسب، بل كما أنهم يحرصون على أن لا يحيق العذاب الأبدي بهم، يحرصون على أن لا يتعذّبَ الآخرون به أيضًا؛ لأن الآخرين بشر كذلك، ولهم رغبات، وعندهم سَراء وضراء، وثواب وعذاب؛ لا سيما وأن التكاليف الإلهية تدعم هذا التوجُّه أيضًا؛ ففي الخبر: «كُلّكُم راعٍ وكلّكم مسؤول عن رعيّته».[8] فهذه واحدة من القيم الإسلامية؛ وهي أنه كما نفكر في منافعنا الشخصية يجب أن نفكر في منافع غيرنا من الناس؛ أي إن في رقبتنا واجبًا يحتم علينا إرشاد الآخرين إلى سواء السبيل ومَد يد المساعدة والعون إليهم لكي ينالوا هم أيضًا نصيبهم من السعادة.

اللهم إنا نقسم عليك بحق كل عزيز عندك ووَلي لك أن تُعرّفنا جميعًا بواجباتنا على أحسن وجه، وتوفّقنا إلى العمل بها.

والسلام عليكم ورحمة الله


[1]. ص: الآية82.

[2]. الأعراف: الآية27.

[3]. النساء: الآية57.

[4]. الأحقاف: الآية14.

[5]. الزخرف: الآية23.

[6]. إبراهيم: الآية24.

[7]. إبراهيم: الآية26.

[8]. المجلسي، محمد تقي، روضة المتقين: ج5، ص515.

 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...