لا ننفق أعمارَنا بسخاء

في لقاء لسماحته مع جمع من طلبة جامعتَي سيستان وبلوتشستان والشهيد رجائي لإعداد المعلّمين التاريخ: 23 كانون الثاني 2020م، الموافق: 27 جمادى الأولى 1441ه
تاریخ: 
پنجشنبه, 3 بهمن, 1398

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على سيّد الأنبياء والمرسلين حبيب إله العالمين أبي القاسم محمّد وعلى آله الطيّبين الطاهرين المعصومين.

اللهُمّ كُن لوليِّكَ الحجّةِ بنِ الحسن، صلواتُكَ عليهِ وعلى آبائِه، في هذهِ الساعَةِ وفي كلِّ ساعةٍ، وليًّا وحافِظًا وقائِدًا وناصِرًا ودَليلًا وعَينًا، حتّى تُسكِنَه أرضَكَ طَوعًا وتمتِّعَهُ فيها طويلًا.

نُهدي لروح الإمام الراحل(ره) وشهداء الإسلام العِظام وكلّ صاحب حقّ علينا الصلوات.

نرحّب بالإخوة الكرام والأخوات الكريمات في هذه المؤسسة المزيَّنة بالاسم المبارك للإمام الخميني الراحل(رض)، سائلين المولى العليّ القدير، إذ وفّقَنا لرؤية وجوهكم النيّرة أيّها الأعزّة عن قرب، أن يُلهمنا في هذه اللحظات أن نتناول بالبحث والحوار ما فيه مزيدُ رضاه عزّ وجل ووافر سعادتنا.

الغفلة عن أثمَن رأسمال!

دائمًا ما يحرص كل واحد منّا، إذا ما امتلكَ رأسمال ما واستثمرَه اقتصاديًّا، سواء في تجارةٍ أو سوقٍ أو أي نوع آخر من الاستثمار – يحرص ما أمكنَ على الانتفاع أكثر منه، أو العمل، إذا ما تَلِفَ شيءٌ من رأس المال هذا أو أُنفق، على أن يجني عوضًا عنه ما هو أنفع وأفود؛ أي يعمل على أن يدُرّ عليه ربحًا أفضل من المقدار المفقود منه. جميع عقلاء العالم يعرفون هذا ويمارسونه في حياتهم، لكن الغريب أنّ معظمنا، نحن معاشر البشر، لا نلتزم بهذه القاعدة في إنفاق رأسمالٍ معيَّن؛ فإنّ لدينا رأسمال في منتهى النفاسة والقيمة لكنّنا ننفقه بسخاء في أمور ليس أنّها لا تعود علينا بالربح فحسب، بل تُلِحق بنا الخسران. لا بد أنّكم خمَّنتم أيّ رأسمال أعني. إنّه رأسمال العمر. نحن حينما نولَد لا نجلب معنا إلى هذا العالم ميراثًا؛ منذ اليوم الذي نولَد فيه يهَبُنا الله تعالى عمرًا يطول حتّى اليوم الذي نفارق فيه هذه الدنيا. وإنْ مَرِضنا مرضًا عُضالًا وخطِرًا في يوم من أيّام عمرنا هذا نجدنا على استعداد لإنفاق كل ما نملك لكي نُشفَى من مرضنا هذا ونتمكّن من الإفادة أفضل من عمرنا.

تصوّروا مليارديرًا أحسّ بألم وراجع طبيبًا فقال له الطبيب: يُحتمل أن تكون مصابًا بالسرطان، وإن رغبتَ في العلاج فلا بد من صرف مبلغ باهظ من المال. أسيكون على استعداد لإنفاق هذا المبلغ، أم يقول: لا أريد أن أنفق مالي؟ إذ سيقال له: إن لم تنفق مالك فماذا سيحصل؟! لو تبيّن غدًا أنّ مرضك كان سرطانًا وقتلَك، فبماذا سينفعك مالُك هذا حينذاك؟! فإن كان عاقلًا فلن يتوانى عن إنفاق كل ثروته لكي يُشفى. يعني أنّ كل يوم من أعمارنا يساوي المليارات. فإن كنّا نملك مالًا ونستطيع إنفاقه ليضاف إلى عمرنا يومٌ واحد فسنفعل ذلك. إذًا فإنّ للعمر قيمةً كبرى. لكنّنا في أيّ شيء ننفق أعمارنا؟

لنجلس يومًا ونحسب: ما الذي جنيتُه في يومي هذا؛ في هذه العشر ساعات أو الخمس عشرة ساعة منذ استيقاظي صباحًا حتى إيوائي إلى الفراش ليلًا؟ ما الذي حصلتُ عليه؟ حسنٌ، تقلّبتُ سُوَيعات في الفراش، ثم استيقظتُ، وغسلتُ يدي ووجهي، وتناولتُ فطوري. الربح الذي جنيتُه هو أنّي سدَدتُ بعض جوعي. وماذا بعد ذلك؟ بعد ذلك شغّلتُ التلفاز فرأيتُه يعرض تمثيليّة، فقلتُ في ذات نفسي: لا بأس أن أتفرّج. بقيتُ أتفرّج نصف ساعة فوجدتُها لطيفة فقلتُ: أتفرّجها إلى النهاية. انتهَت، وجاء دور أمور أخرى. تفرّجتُ بضعة أفلام حتى انتصفَ النهار. لم تعُدْ عليَّ بنَفعٍ ما. عند الظهيرة أتناول الغداء، وأغفو قليلًا، وهكذا، المنهاج هوَ هوَ! أو أخرُج لأتجوّل في الشارع، أو أذهب إلى متنزّه، أو أتوجّه مع الأولاد لِلَعب كرة القدم أو لعبة أخرى. فإن صادف وقتُ درسي أحضرُ صفّي مدّة ساعة أو ساعتين. ثمّ يخيّم الظلام، فأنام. وفي اليوم التالي يتكرّر المنوال اليومي من جديد! تصرّمَت ستّون أو سبعون عامًا، فما الذي كسَبنا؟! كل يوم نملأ بعضًا من بطوننا، ثم نخليها! هذه الثروة التي يثمَّن كل يوم منها بمليارات أمضيناها بملء البطن، وإخلائها، وتفرّج فلم، وبعض ما نبادل الآخرين به من المزاح، والكلمات اللاذعة، والدعابات! إنّنا كُرماء جدًّا في إنفاق أعمارنا! لكن هل ينبغي أن يكون الأمر هكذا؟! وهل يُقِرّ العقلُ هذا أيضًا؟ من الواضح أنّه لا العقل يُقرّ هذا، ولا الله تعالى، ولا نبيّه(ص)، وليس ثمّة أي منطق وراءه، لكنّ أغلبَنا مبتلًى بهذا، بل لا نفكّر في أنّه: ماذا حصل إذ أنفَقنا عمرنا هذا؟ ثم في الغد نعيد الكَرّة! أجل، إن أُصِبنا يومًا بصداع، لجأنا إلى طبيب ليعالجنا فنتماثل إلى الشفاء، لنستطيع العودة إلى سالف حياتنا الروتينيّة ذاتها!

لا نفرّط برأسمال حياتنا مجّانًا!

من بين المليارات من البشر هناك جماعة، ليست كبيرة جدًّا من حيث العدد، أخذَت تُنذر الناس باستمرار أن: حاذروا من أن تنفقوا أعماركم عبثًا! العنوان العام لهؤلاء هو "رجال الله"؛ إنّهم الأنبياء، والأئمّة المعصومون(ع)، والذين استقَوا من هذا الدين الدروس على أحسَن وجه، وعملوا بها خير العمل. وإنّنا لو بالَغنا في التقدير فإنّهم لا يبلغون واحدًا بالمئة من كل سكّان العالم. أمثال هؤلاء يبالغون في الإنذار من أنّه: حاذروا من تضييع أعماركم! راقبوا أنفسكم كل يوم وانظروا في أي شيء تنفقون كل ساعة من هذا العمر؟ ثم حاسبوا أنفسكم لدى إيوائكم إلى الفراش ليلًا لتروا ما إذا كان في ما فعلتموه في نهار ذلك اليوم نفع أو ضرر؟ على الأقل إن كان فيه ضرر فتداركوه واستغفروا، وإن رأيتم فيه نفعًا فاشكروا الله على ما جنيتم من أعماركم من ربح جيّد.

من المناسب أن نسمع لنُصح الأنبياء هذا ونعمل به، ونبني أمرَنا على أن نكون بخلاء بعض الشيء في إنفاق أعمارنا، فلا نبالغ في صرف أعمارنا هكذا مجّانًا! فهذا ليس محلّ سخاء. السخاء هو أن يُعِين المرءُ الفقراءَ والمعوزين ويَقضي حوائجهم من دون أن يمُنّ عليهم. هذا النمط من السخاء جيّد جدًّا. أمّا أن يهَبَ المرءُ عمرَه للشيطان مجّانًا فلا يعود عليه بشيء، فهذا النمط من السخاء سيّئ.

سبيل الانتفاع من ثروة العمر الثمينة

ولكي ننجح في هذا المجال لا بد أن نعرف أوّلًا ما هو الشيء الذي يستحق أكثر أن نُنفق عمرَنا فيه؟

أحيانًا نُجري نحن حساباتنا الخاصّة فنقول: لننجز هذا العمل، فهو أفضل من ذاك! وقد لا نخطئ في المقارنة، لكن من النادر في مثل هذه المواطن أن نفكّر في أنّه: هل هذا الفعل هو حقًّا الأفضل؟ ألا يمكن إنجاز فعل أفضل منه؟ ألا يمكن أن نجني من هذا العمر ربحًا أكثر؟ أيمكن أن أفعل شيئًا فيه نفع أكبر، أم لا؟ لكن لا بأس أن ننتهج هذه الطريقة؛ وهي أن نخصّص - على الأقل - ساعةً كل أسبوع نجلس فيها فنفكّر في أنّه: ما الفائدة التي حصدناها ممّا فعلناه في الأسبوع الفائت؟ أما كان من الممكن اختيار أفعال أخرى تدُرّ علينا بفائدة أكبر؟

من أجل أن نجني من رأس المال هذا، الذي هو العمر، أفضل الأرباح فقد أمرَ اللهُ تبارك وتعالى، وهو الذي خلقَنا، ووهبَنا هذا العمر – أمرَ أناسًا بأن يعرّفونا أنّه: في أي شيء من الأفضل أن ننفق أعمارنا؟ هؤلاء هم الأنبياء، ولقد أوحى الله إليهم بذلك. لربّما ما كانوا هم ليعرفوا ذلك لولا أن أوحَى الله إليهم به، لكن الله عزّ وجل أوحى إليهم بلطفه أن: اعملوا أنتم بهذا، وأَنبِئوا سائر الناس بأن يُنفقوا أعمارهم في هذه الأمور لكي لا يندموا لاحقًا.

لا بد أنّكم قرأتم وسمعتم كثيرًا هذه الآية القرآنيّة: (يا حَسْرَتَى عَلَى ما فَرَّطْتُ في جَنْبِ الله).[1] سيأتي يوم يضرب أكثر بني البشر كفًّا بكفّ قائلين: "يا ويلي! لقد ضيّعتُ عمري هباءً منثورًا! يا ليتني لم أفعل كذا! يا ليتني فعلتُ كذا!" أليس من المناسب أن نتنبّه قبل فوات الأوان فننتفع من أعمارنا هذه بشكل أفضل؟ أن نعلم ما الذي نصنعه فلا نندم عليه فيما بعد؟ أن نجتهد في اجتناب الأفعال التي حتمًا سنندم عليها لاحقًا؟

 لنعرف أوّلًا: أي الأمور هي الأفضل لإنفاق عمرنا فيها فلا نندم أبدًا؟ وفي أيّ وقت يمكننا فعل ذلك؟ نحن إن كان لدينا رأسمال يمكننا بيعه وجَني الربح منه (ورأس المال تارةً يكون نقودًا، وتارةً أخرى سلعةً؛ كقمح أو شعير مثلًا) فعلينا أوّلًا أن نعرف كم قيمته؟ ولأي شيء ينفع؟ في ماذا يمكن استعماله؟ وإلّا فإن لم نعرف قيمة رأسمالنا فسنُخدع! مثلًا: إن أهدى أبٌ ابنَه ذا الخمسة أعوام مسكوكةً ذهبيّة يومَ العيد، والمسكوكة صغيرة الحجم صفراء اللون، قائلًا له: هذه عيديّتُك يا بُنيّ. الصبي ذو الخمسة أعوام عادةً لا يعلم ما هي المسكوكة، وبماذا تنفع، وكم قيمتها؟ فقد يذهب إلى بقّال زقاقهم ويقول له: أعطني هذه الحلوى! فيقول له: وأين نقودك؟ فيقول له: هذه نقودي! فيجيبه: بارك الله فيك. فيأخذ منه المسكوكة ويعطيه علبةَ حلوى أو بسكويت كبيرة أو شيئًا آخر يفرح به. والطفل بدوره يفرح جدًّا لحصوله على علبة بسكويت كبيرة. لماذا؟ لأنّه لا يعلم كم قيمة المسكوكة. يظن أنّه: كان لي شيء صغير أصفر اللون دفعتُه للبقال واشتريتُ به علبة حلوى أو بسكويت كبيرة!

ضرورة معرفة القيمة الحقيقيّة للعمر

إنّنا حين ننفق عمرنا لا نعلم كم فائدته، وبماذا يمكن أن ينفعنا؟ أي إنّنا لا نعرف أنفسنا حقّ معرفتها، ولأي شيء ننفع؟ ولماذا خُلقنا؟ وما دورُنا؟ وما النفع من وجودنا؟ فأوّل شيء يجب علينا فعله هو أن نعرف أنفسنا؛ أن نرى ما نحن، وكم قيمة عمرنا؟

للأسف معظمنا يخطئ في هذه الخطوة الأولى تحديدًا! نعم قد يكون هناك أناس كثيرون لم نشاهدهم لا يخطئون في هذه الخطوة، إن شاء الله، لكن أغلب مَن رأيتُهم أنا يخطئون؛ يظنّون أنّ أفضل ما يمكن أن يحصلوا عليه من أعمارهم من نتائج هي اللذات التي يجنونها من الأكل، والشرب، وأحيانًا العلاقات الجنسيّة، وأمثال ذلك. لكن هل هذا صحيح؟! ألا يوجد أي نتيجة أفضل من هذه؟ وهي لذّات محدودة لا تتجاوز الدقائق! فكم دقيقة يستغرق استمتاعنا من تناول الطعام يا ترى؟ يستغرق تناولنا الطعام ربع أو نصف ساعة في الحد الأقصى. فإذا انتهى الطعام انتهَت اللذّة، إذ سنشبع، بل سنكسل، ونرغب في النوم. اللذّة لا تكون إلّا حين نمضغ الطعام في فمنا، ويحسّ لسانُنا حلاوتَه. في هذه اللحظة فقط تكون اللذّة. أو أنواع أخرى من اللذات لا ضرورة لذكرها. أحقًّا إنّ فائدة عمرنا هي هذه وحسب؟!

لقد أرسل الله تعالى إلينا الأنبياء ليخبرونا بأن هذه الأمور ضرورات جُعلَت لكم لحِكَم معيّنة، ويتعيّن عليكم سلوك هذه الطريق، لكنّكم لم تُخلقوا من أجلها، بل إنّكم تسيرون في طريق وهذه الأمور هي من لوازم هذا الطريق. على سبيل المثال حين وفَدتُم من مدينتكم على قُمّ لزيارة السيّدة فاطمة المعصومة(س) كان يتوجّب عليكم أن تستقلّوا سيّارة، وتنفقوا مالًا، وتتحمّلوا عناء الطريق. وكان لا بد للسيّارة من سائق يقودها، وكان عليه أن يملأ خزّانها بالوقود، لكي تصلوا إلى هنا. فإن لم يكن لديكم مثل هذا الهدف ما كنتم أبدًا بحاجة إلى السفر كل هذا الطريق الطويل بالسيّارة، أو حتّى بالقطار أو الطائرة. كان بوسعكم الالتذاذ بأشياء فيها متعة أكبر بكثير، لكن بما أنّه كان لديكم هدف أكبر قيمة فقد وجدتم في أنفسكم الاستعداد لدفع المال، وتحمّل أعباء الطريق ومتاعبه لكي تصلوا إلى هنا.

ميزات سفر الآخرة

لقد جاء الأنبياء ليخبرونا أنّ وطنكم في موضع لا نهاية له، وعمركم فيه أبدي. فإن وفدتم على ذلك الوطن فستحصلون على كل ما تهوى قلوبكم، وما تشتهيه أنفسكم، وما تناله عقولكم بشكل آني؛ (وَفيها ما تَشْتَهيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُن[2] سيتهيّأ لكم كل ما تشتهيه أنفسكم ويلذّ لأعينكم من دون أي مؤونة أو جهد. كم سيدوم ذلك؟ إلى ما لا نهاية؛ مئة عام؟ ألف عام؟ مليون عام؟ مليار عام؟ كل هذه الأرقام محدودة، ومتناهية، أمّا عمر ذلك العالم فلا نهاية له.

ولإدراك لذّات ذلك العالم، على سبيل الفرض: كم تحتاجون من جهد للالتذاذ في هذه الدنيا؟ افترضوا أنّنا نريد تناول الغداء؛ سيتحتّم عليك أن تذهب صباحًا لشراء اللحم، والأرز، ثمّ تبدأ أنت أو زوجتك أو أي شخص آخر بالكَدّ في عملية الطهي. كم عليك أن تنفق من المال؟ وكم تستغرق من الوقت؟ وكم تتحمّل من الحرّ والدخان والتعب؟ كل هذا لكي تجلس مدةَ ربع ساعة أو نصف ساعة عند الظهيرة لتناول هذا الطعام، وتذوّق طعمه! أمّا هناك في الجنّة فإنّ كل شيء حاضر في أي لحظة أحببتَ واشتهيت! ثم يقول: هناك أيضًا ما لا يبلغه فكرُك وعقلُك؛ (وَلَدَيْنا مَزيد[3] فمضافًا إلى أنّ هناك كل ما تشتهون، سنهيّئ لكم أيضًا ما هو أكثر ممّا تشتهونه. فإنّكم يا معشر البشر إنّما خُلقتم لذلك العالم، وما هذه الدنيا إلّا طريق لبلوغ ذلك الهدف.

أحيانًا تستغرق رحلتكم ساعة واحدة، وأحيانًا أخرى يومًا واحدًا. في الماضي عندما كان السفر بواسطة الخيل والإبل كان الذي يريد شدَّ الرحال لمكّة المكرّمة في السنة القادمة ينطلق في سفره من هذه السنة، إذ كانوا يستغرقون أشهرًا طويلة في الطريق لكي يصلوا مكّة في أوانِ الحج؛ أي كان السفر يأخذ منهم أحيانًا عامًا كاملًا. وكما أنّ السفر قد يستغرق عامًا كاملًا فإنّه من الممكن أن يستغرق سبعين عامًا أيضًا؛ عوضًا عن الرحلة إلى مكّة المكرّمة، التي كانت تستغرق في الماضي عامًا كاملًا، فإنّ الحياة الدنيا هذه هي رحلة أيضًا تستغرق سبعين عامًا. فإن اقتنَعنا بأن تطول رحلةٌ عامًا كاملًا عوضًا عن يوم واحد، فلماذا لا نقتنع بأن تطول سبعين عامًا عوضًا عن عام واحد؟! ثم إنّ رحلة السبعين عامًا هذه حين تنتهي نكون قد بلَغنا منزلنا. المهم في الأمر أنّ كل ما نحتاجه في ذلك المنزل علينا أن نهيّئه الآن، فهناك لا يُعطَى أحدٌ ما يحتاجه عُنوةً، كما لا يُعطاه بالمجّان أيضًا. فكل ما تحتاجه هناك، إلى ما لا نهاية عليك أن تحضّره هنا في رحلتك هذه التي تمتدّ سبعين عامًا. هذه هي معرفة الإنسان، ومعرفة حياته. إننا نحسب حياتنا كلّها هكذا. أوّلًا كل حياتنا في هذه الدنيا محدودة، ولا تساوي شيئًا إزاء العمر اللامحدود الذي أعدّه الله تعالى لنا هناك. ما من رقم تستطيع أن تضعه جوابًا على سؤال: كم ضِعفًا تشكّل تلك الحياة نسبةً إلى عمرنا هذا؟ شيء مستحيل. كل طالب مدرسة يعرف أنّه ما من عدد ضخم تفرضه إلّا ويكون لا شيء مقابل اللانهاية، لكنّ متاع تلك الحياة يجب تهيئته أثناء هذا العمر المحدود. فماذا نصنع من أجل ذلك؟

طريقة الانتفاع الصحيح من الحياة الدنيا

يكفي أن نفعل ما يحبّ الله أن نفعلَه! الله جلّ وعلا لا يريد شيئًا لنفسه. وهو يعلم ما العمل الذي عليك القيام به لينفعك في الآخرة. الأوامر والنواهي التي كلّفك بها إنّما كلّفك بها لمنفعتك، فهو عزّ وجل لا يحصل على شيء من هذا.

إذًا بعد أن نعرف أنفسنا، علينا أن نتساءل: ما هو المنهاج؟ ما هي الطريق؟ أيمكننا العثور على دليل يدلّنا على طريق أفضل من تلك التي عرّفَنا بها الله جلّ شأنه نفسُه؟ أهناك شخص أرأَفُ وأرحم من الله عزّ وجل؟! هو تعالى، الذي خلقَنا، يقول لنا: هذه هي الطريق، وأنا إنّما خلقتُكم لتسلكوا هذه الطريق. لا بد أن تفعلوا كذا وكذا لتصلوا إلى هناك. فإن قال أحدهم: "أوه! هي كلمة قالها الله وحسْب، أنا أفعل ما يحلو لي، مَن يا ترى سيخسر بسبب ما أفعل أنا؟!" مَثَل هذا كمثَل المريض الذي راجع طبيبًا فقال له الطبيب: "كُل كذا ولا تأكل كذا،" فقال هو: "أنا آكل ما يحلو لي، ما شأني أنا؟! هو كلام نطقَ به الطبيب وحَسب! مَن يا ترى سيخسَر بسبب ما آكل؟!" من الواضح أنّ المريض الذي لا ينفّذ نصائح طبيبه، والتلميذ الذي لا يصغي لكلام أستاذه سيخسر. ولا تستغربوا من استعمالي لفظة "أستاذ"، فالأستاذ يعني "المعلّم"، والله جلّ وعلا يقول أنا معلّم: (يُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ)‏. فاسم الفاعل من "يعلّم" هو "معلّم"، أي إنّ الله معلّم ونحن تلامذته. الله جلّ وعلا جعل نفسه معلّمنا فقال لنا: "يا تلامذتي، آمركم أن تتصرّفوا بهذه الطريقة، فهذا في مصلحتكم. فإن أطعناه فسنحصد نتائجَ ذلك، وإن لم نطعه وقلنا: "أجل، لقد قلتَ ذلك، لكنّني أفعل ما يحلو لي." فسيقول لي: "حسَنٌ، لكن أنت المسؤول عن النتائج! فإن اشتريتَ لنفسك العذاب الأبدي، فاعلم أنّ الذنب ذنبُك، فنحن لم نُجبرك على ذلك، بل بيّنّا لك الصراط المستقيم؛ (فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُر[4] مَن شاء فليتّجه إلى اليمين ومن شاء فليتّجه إلى الشمال. الطريق متاحة، الإنجاز هو أن تُحسن أنت اختيار الطريق المناسبة.

إن نحن صدَّقنا بهذه العبارات القليلة، وهي أوّلًا: أنّ الله تعالى خلَقنا لهدفٍ عظيم، وأنّ عمر هذا الهدف لا نهاية له، وأنّ ما سنضَيَّف به هناك هو أحسن الضيافة ومن أفضل ما نحب؛ كل ما نحب، ومن دون أي تعب؛ (لا يَمَسُّنا فيها نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنا فيها لُغُوب[5] حتى التعب معدوم في الجنة؛ فلو ظل المرء يأكل في الجنّة ليلَ نهار لا يتعب من الأكل. في الدنيا إن احتاجَ طعامُنا يومًا مَضغًا أكثر نتعب من الأكل، أمّا هناك فإنّ الأوضاع مهيّأة بحيث لا نتعب حتّى من الأكل. بل لا يسأم الفردوسيّون أبدًا من كلّ ما ينالون في الجنة؛ كمّيته لا نفاد لها، وكيفيّته أيضًا ما لَذَّ وطاب! – أقول: إن نحن صدّقنا بهذا وعلِمنا أنّ الله هو الذي وضعَ هذا المنهاج، وهو يعلّمنا إيّاه أفضل من غيره، وأنّه ضَمِن أنّ آخرَ هذه المناهج، الذي هو أكملها، سيُسَلّمنا إيّاه غير منقوص، فماذا سنفعل؟

كم نحن مُطّلعون على الكتاب الـمُنزَل إلى نبي الله نوح، على نبيّنا وآله وعليه السلام؟ في أيّ مكتبة موجود؟ من غير المعلوم إن كان يوجد أثرٌ له في أي مكتبة، أو أنّه تغيّر وانطَمس. كتاب موسى وعيسى(ع) أيضًا تعرّض للتغيير. نعم أتْباعُهم يقبلون بعضًا منه، أمّا المسلمون فيعتقدون أكثر بأنّه محرَّف وليس محَطّ ثقة. لكنّ الله عزّ وجل ضَمِن أن لا يَمسَّ حرفًا واحدًا من القرآن الكريم تغييرٌ حتّى قيدَ أنمُلة، وأنّه باقٍ على الوضع الذي أنزلَه به. فماذا علينا أن نصنع؟ ماذا يَقترح علينا عقلُنا؟

القرآن الكريم أصحّ منهاج للحياة وأكمله

على أقلّ تقدير لنقرأ القرآن الكريم ولنرَ ما يقول؟ لننظر كيف يتعيّن أن نسلك الطريق؟ يعني: إنّ أهمّ ما وضعَ الله في متناولنا، وأشدّه نفعًا وفائدةً وثباتًا هو القرآن الكريم. فلو استطعنا أن نُنفق بعضَ عمرنا لتعلّم مضامين القرآن الكريم جيّدًا فإنّنا نكون قد انتفَعنا عظيم المنفعة، وإنْ لم نتعلّمه فإنّنا سنندم لا محالة؛ بالضبط كالوصفة التي نستلمها من الطبيب وهي مكتوبة بلغة أخرى لا نحسن قراءتها وفهمها؛ فالأطباء في العادة يحرّرون الوصفة بالانجليزية، ونحن – الذين بالكاد نُتقن لغتنا، فما بالك بالانجليزيّة – نستلم الوصفة ونضعها في جيبنا. غاية ما نقوم به من إنجاز أنّنا نُخرج الوصفةَ بين الحين والآخر، ونقبّلها، ثمّ نضعها على الرف! هل سنَبرأ من مرضنا بهذه الطريقة يا ترى؟! أتُوصِلنا إلى بعض النتائج عن طريق هذا التقبيل فقط؟! أليس من الفطنة أن نُنفق من وقتنا مقدارًا يُعتنَى به لننظر ما كُتب فيها، وما التعاليم التي أُوصينا بها؟! بالمقدار الذي نستطيع نحن الإفادة منها نكون قد جنَينا نفعًا كبيرًا. لكن لأنّنا عادةً ما نكون مشغولين بأعمال مختلفة كثيرة فإنّنا لا نستطيع إنفاق كلّ وقتنا على هذه القضيّة، كما نفعل مع الشؤون الأخرى. صحيح أنّ الجميع لا يمكنهم أن يكونوا أطبّاء، لكنّ عددًا من أفراد المجتمع يمكنهم ذلك، ولا بدّ – على الأقلّ - من وجود عدد من الأطبّاء في المجتمع. فإن كان عدد الأطباء بالمقدار الذي يستطيع معه كل مريض مراجعة الطبيب ويتمكّن الأخير من معالجته، يكون المقدار الضروري من الأطباء قد ضُمِن وعندها يمسي في ميسور الناس التفرّغ لباقي شؤونهم.

فإن كان عدد "أطبّاء الروح"، ممّن يعرفون السبيل لسعادة الناس، أقلَّ من الحدّ الضروري في المجتمع فسيكون من أوجب المهامّ علينا تأمين هذا العدد منهم، وهو أن نعمل على إعداد كوادر من أطباء الروح الأكفاء لينتفع منهم مليارات البشر.

فإن أخبرتُكم أننا – مع الأسف - لا نملك من أطباء الروح ما يكفي لبلدنا نحن، بل لمدينتنا! فاحتمِلوا أنّي أصدُقُكم القول، هذا والحال أننا مكلَّفون بأن نكون أطباء لجميع أهل العالم، فأولئك أيضًا عباد الله، لكنّ أيديهم قصيرة عن الوصول إلى الطبيب! إنه لمن واجبنا أن نمدّ أيدينا، بعد أن نسُدّ حاجة مجتمعنا نحن، إلى جيراننا، بل وإلى باقي دول العالم؛ إمّا حضوريًّا، أو على الأقل عبر الكتب، والأشرطة، والأفلام، والبرامج المتلفزة، وأنواع وسائل الإعلام الأخرى التي يمكننا إيصال رسالة الدين عبرها. ألديكم طريقة أفضل من هذه؟ أتحتملون وجود طريقة أفضل؟ لقد أمضيتُ أنا من عمري ثمانين ونيّفًا من السنين ورأيت في حياتي أعلامًا وعلماء أجلّاء لم يستطيعوا أن يعرّفوني بطريقة أفضل من هذه. فإن كان الأمر كذلك فلنجتهد في أن نكثّف اهتمامنا بهذه المسألة، ونزداد انسجامًا مع القرآن الكريم، ونضاعف من قراءة تفاسيره، ونطالع المطالب المدوَّنة لتوضيح المواضيع القرآنيّة الأساسيّة، والكتب المؤلّفة في هذا المجال، ولو لربع ساعة في اليوم. ألا يستحق الأمر أن ننفق يوميًّا ربع ساعة من وقتنا من أجل نتيجة لا نهاية لها كهذه؟!

لقد قلتُ ما قلت لأقدّم لكم نصيحة موجزة وهي: أيّها الشبّان الأعزّة، يا من ستكونون بُناةَ مستقبل بلدكم، ومستقبل المنطقة، بل وبناة مستقبل العالم بأسره إن شاء الله، ما الذي تعرفونه عمّا سيحصل في المستقبل؟ الجنرال قاسم سليماني مَن كان؟ كان عاملًا قرويًّا بسيطًا، أمضى شبابه عاملَ بناء. كان من أهالي قرية في نواحي "راور" التابعة لمحافظة كرمان. لم يكن حتّى من أهل المدينة. بعد أن انتصرَت الثورة الإسلامية، وأُسّس الحرس الثوري وقوّات التعبئة (البسيج) انخرط في قوّات التعبئة، ثمّ انضوى في قوات الحرس الثوري حاله حال أيّ جندي. كل ما في الأمر أنّ نيّته كانت نقيّة خالصة، وقد ثابرَ بجد في الطريق التي اختارها، حتّى مدّ اللهُ له يد العون؛ فكان إذا خطى خطوة، دفعَه الله إلى الأمام فرسخًا. خلال مدّة قصيرة أصبح قائدًا. ومن رتبة إلى رتبة أعلى. حتّى صارت مواصفات قيادته ما لم نر مثلها طيلة عمر الثورة. ما أدرانا! لعلّه يوجد بينكم مشاريع "سليماني" أخرى! مَن ذا الذي يمكنه الإجابة بالسلب أو الإيجاب؟ المهم هو أن تكون في أنفسكم العزيمة لذلك. فلا نقصّر فيما نستطيع فعله؛ فلنعرف القرآن جيّدًا، ولنحاول جهدنا أن نعمل بما نعرف منه من دون تهاون. هذا وإنّ الله لم يكلّف أحدًا بمَهمّة شاقّة؛ (لا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَها[6] (يُريدُ اللهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُريدُ بِكُمُ الْعُسْرَ).[7] الله لم يفرض عليكم عملًا صعبًا، ما أمركم به هي أمور متيسَّرة لكم بكل سهولة ويُسر. تبيّنوا هذه الأمور، لكن كونوا جادّين في العمل بها. لا تظنّوا أنّ من الممكن التحايل على الله عزّ وجل. لا بد أن نكون واضحين مع الله، فهو يَخبُر بواطن الجميع، يعلم بنواياكم، وله القدرة الفائقة على مساعدتكم، هو لا يريد منّا غير الإخلاص والعبودية؛ فقولوا له: "إلهي، أريد أن أعمل بكلّ ما تأمرني به، لأنّي أعلم أنّك لا تريد إلّا خيري".

فإن عملنا على ترسيخ هذا الفكر وتعميقه في أنفسنا، وإخلاص نوايانا، والعمل بالمقدار الذي ندركه ونفهمه من واجباتنا فتأكّدوا أنّنا يومًا ما سنُسَرّ جدًّا من سلوكيّاتنا هذه. إذ جاء في كتاب الله العزيز أنّ البعضَ سيكون يوم القيامة مسرورًا جدًّا بحيث تبدو آثار السرور والبهجة على محيّاه في حين يكون البعض الآخر عبوسًا مكتئبًا نادمًا من الأسلوب الذي أنفق به عمرَه.[8] فإن أردتم أن تكونوا سعداء ضاحكين إلى الأبد فاعرفوا هذه الطريق واسلكوها. وليس هو بتكليف شاق، ولا بحِمل ثقيل؛ إذ إنّكم لم تكلَّفوا بما لا طاقة لكم به، وإنّ ما كُلِّفتم به يصبّ في منفعتكم؛ فالله جلّ وعلا لا ينقصُه شيء لكي يكمله بعبادتنا.

دور القدوة القيّم في معرفة الهدف بشكل صحيح

إنّ من أجزل النِعَم التي أنعم الله تعالى بها عليَّ وعليكم في هذا الزمان، ويسّرَها للملايين بل المليارات من البشر في أقصر مدّة زمنيّة هي القدوات التي في وسعِنا أن نستلهم منها الدروس. لاحظوا مثلًا كم شخصيّة مثل "قاسم سليماني" تجدون في تاريخ إيران، سواء ما يُدرَّس منه في المدراس أو ما يحكى لكم في الأقاصيص؟ نعم هناك اسم "رستم"، ولا يُدرى كم من حكاياه صحيحة وكم منها زائفة. بطل واحد اسمه رستم في كل تاريخ إيران، وقبل بضع آلاف من السنين، ولا يُعلم أساسًا إن كان شخصيّة حقيقيّة أم أسطوريّة! أمّا قاسم سليماني فهو أمام أعيننا؛ أهلُ حيّه موجودون وباستطاعتنا أن نسألهم عنه. صور مراحل حياته المختلفة موجودة، كلامه مسجَّل وموجود.

فإنّ وجود القدوة ورؤيتها لَمِن أكبر النعم في مساعدة الإنسان على اتّخاذ سواء السبيل. إنّ قراءة ألف كتاب لا تترك في الإنسان الأثرَ الذي تتركه القدوة؛ إذ إنّ أثر مشاهَدة السلوك في نفس الإنسان يفوق أثر قراءة عشرات الكتب، وهو يدفع الإنسان إلى اتّخاذ الطريق ذاتها، والانتفاع منها.

ولقد عرّفَنا الله عزّ وجل بقدوات في مجال الجهاد العسكري، وكذا الجهاد العلمي والاقتصادي. لا تقولوا: "ما هذا الكلام الذي تقوله؟! وما الجهاد العلمي؟! وكيف يكون الجهاد الاقتصادي؟" هاكم ما يقوله ربّ العزّة في كتابه العزيز: (جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ في‏ سَبيلِ الله‏[9] فأوّل الجهاد هو الجهاد بالمال، وهو يعني الجهاد الاقتصادي، وبعده يأتي الجهاد بالنفس. وكما أنّ الجهادَ بالمال جهادٌ، فإنّ الجهادَ بالعلم أيضًا جهادٌ؛ فتعليم الآخرين هو جهاد، وتربية الصالحين هو أعظم جهاد، وإنّ من أفضل طرق التربية وجود القدوات.

الخدمة التي أسداها قاسم سليماني لم تقتصر على إدارة الحرب وتحرير الأرض من براثن الأمريكيّين، بل من الممكن لسيرة حياته أن تشكّل لمجتمعنا جهادًا إلى ألف عام؛ أي سيكون في وسع مَن يسمع بسيرته ويقرأ عنها، ويرى سلوكه، ويشاهد أفلامه أن يستفيد من سلوكه هذا في حياته ولأجل بناء أجيال المستقبل. هذه من بركات هذه الشخصيّة. وحين يُستفاد من سيرته فإنّ هذا يُكتب في صحيفة أعماله هو أيضًا، ويُسهم في زيادة ثوابه باطّراد. أيُّ طريق رائعة هذه التي رسمها الله تعالى! يفعل المرءُ فعلًا حسنًا، فينتفع منها هو، وتنتفع منها عائلته، وينال عزّة الدنيا، والمحبوبيّة في قلوب الناس، ثمّ تبقى صحيفة أعماله مفتوحة إلى الأبد؛ فما من أحد يسلك هذه الطريق ويتّبعه إلّا ويُكتب له هو أيضًا الثواب! وهذه الطريق سالكة لي ولكم أيضًا، فلنشُدّ العزائم قليلًا لمعرفة هذه الطريق، التي روحُها القرآن الكريم ومفاهيمه. فلنعمل ما استطعنا على مطالعة الكتب المؤلَّفة في هذه المجالات، حتّى لربع ساعة في اليوم، ولو من باب الهواية والتسلية. فلربّما يملّ المرء أحيانًا من الدراسة وروتين العمل والحياة، فيخصّص وقتًا معيّنًا لمطالعة كتاب ديني لتوضيح مفاهيم القرآن الكريم. أهذا عملٌ شاقّ؟!

نسأل الله تعالى ببركة مَن اصطفاهم من عباده الصالحين؛ من الأنبياء، والأئمّة المعصومين(ع)، ومَن ترَبَّوا في كنفهم، مثل قاسم سليماني وغيره، أن يمُنّ علينا بالهداية لأجل أعيُنهم، ويجعلَ من نهجهم القويم أسوةً لنا لنتعلّم منهم ونواصل دربهم، ويوفّقنا لأن نفهم كتابه الذي أنزله علينا بشكل أفضل ونعمل به.

وإنّ من أعظم النعم التي نعرفها جميعًا، والتي يندُر مثيلها في تاريخ الإسلام غاية الندرة، هو سماحة الإمام الراحل(رض)، وخلَفه الصالح الذي لا يتسنّى العثور على مثيلٍ له في الكرة الأرضية برُمّتها. إنّنا عاجزون عن تقييم عظمة بركة هاتين الشخصيّتين. ولقد أسبغَ الله علينا بهاتين النعمتين؛ لنستفيد من كلامهما من جهة، ونتأسّى بسلوكهما وأفعالهما من جهة أخرى، ونطبّق إرشاداتهما في حياتنا.

اللهمّ أَدِم علينا هذه النعم. أَدِم ظلّ الإمام الخامنئي على رؤوسنا، وتلطّف علينا باتّباعه بصدقٍ وإخلاص. اللهمّ اجعَل خاتمة عواقبنا جميعًا خيرًا. واجعَل هؤلاء الشبّان الأعزّة من شبّان الجنّة، لتقرّ بهم عين صاحب الزمان(عج) وجميع الأنبياء والأئمّة المعصومين.

والسلام عليكم ورحمة الله


[1]. الزمر: الآية56.

[2]. الزخرف: الآية71.

[3]. ق: الآية35.

[4]. الكهف: الآية29.

[5]. فاطر: الآية35.

[6]. البقرة: الآية286.

[7]. المصدر نفسه: الآية185.

[8]. انظر: عبس: الآيات38-41.

[9]. التوبة: الآية41.

 

بعض الأسئلة

كیف یمكن الحصول على ملكة التقوى و ما هی السبل العملیة للحصول علیها؟
اقرأ أكثر...
لا زال بعض المؤمنین یرى فی الأخباریة منهجاً فكریاً أصیلاً ومغایراً عن المنهجیة الأُصولیة، ویقول: «إنه لا یمتلك القناعة والحجة التامة بینه وبین الله عزّوجلّ فی سلامة وحجیة الاستنباط الأُصولی». ویفند رأی أحد الفقهاء العظام: «الأُصولیة المعاصرة أُصولیة نظریة فقط، ولكنها عملیاً...
اقرأ أكثر...
بعد سیاحة ممتعة فی رحاب رسائل بعض علمائنا الأعلام المتعلقة بتاثیر الزمان والمكان على الأحكام الشرعیة... اتسائل هل یسمى هذا التاثیر المطروح تاثیرا حقیقیا على الاحكام ام انه كنائی؟ واذا كان كنائیانخلص بذلك الى نتیجة واضحة هی أن ما كان كنائیا وعلى سبیل المجاز فهو لیس بحقیقی.. فما أطلق علیه تأثیر هو فی...
اقرأ أكثر...
السلام علیكم ورحمة الله وبركاته ما رأی سماحتكم بوجوب تقلید الأعلم ؟ وماالدلیل ؟ الرجاء التوضیح بشیء من التفصیل ﻋلاء حسن الجامعة العالمیة للعلوم الإسلامیة
اقرأ أكثر...
سماحة آیة الله مصباح الیزدی دام ظله الوارف السلام علیكم ورحمة الله وبركاته . السؤال: البعض یدعو إلی ترك ممارسة التطبیر بصورة علنیة أمام مرأی العالم لا لأنهم یعارضون حكم الفقیه ولكن من باب أن التطبیر لا یصلح أن یكون وسیلة دعویة إلی الإمام الحسین وإلی مذهب الحق . لذلك ینبغی علی من یمارس التطبیر...
اقرأ أكثر...
هل یقول سماحتكم دام ظلكم بإجتهاد السید علی الخامنئی دام ظله ؟
اقرأ أكثر...